ذكريات وطنية !!! ...2

و أطربني صوت الحمار ... !!!ء
أن تطرب لصوت نَدِّي جميل فهذا شيء فطري قد جبلنا الله عليه , أما أن تطرب لصوت الحمار فهذه بلا شك حالة
تستحق الوقوف عندها مليا للتأمل , فقد وصف الله عز وجل صوت الحمار بأنه أنكر الأصوات , فما هي قصتي مع الحمار ؟!.
بعد دخولنا الزنزانة أغلق بابها علينا مع تعليمات مشددة بالوقوف رافعي اليدين و وجوهنا للحائط مع التحذير الشديد لمن يخالف ذلك , وقفنا كذلك مدة طويلة ولم ندر إلا وصوت الشاويش يصرخ وهو ينزل علينا بالسوط : نايمين وأنا صاحي يا ولاد الـ.. , و كنا قد أدركتنا رحمة الله فنمنا دون أن ندري , ظل الحال هكذا لمدة أربع ليالي تقريبا .. نقف مع ( فاصل ) من الضرب بالسياط مع سيل من السباب و الإهانات مع التهديد و الوعيد وننام دون أن ندري ثم يفزعنا الشاويش بالسوط ولسانه الذي كان أشد علينا من السوط .. وهكذا .. حتى جاء الفرج .. و فوجئنا في صباح اليوم (الرابع أو الخامس) لا أذكر بباب الزنزانة يفتح وتدلف منه مجموعة كبيرة من الضباط .. منهم واحد أو إثنان من ذوي الرتب الكبيرة , وتحدثوا معنا بلطف و سألوا عن طلباتنا ثم أمر أحدهم بعض العساكر بإعطائنا مراتب لننام عليها , وكنا حتى هذه اللحظة ننام على البلاط ..! , أدخل العساكر المراتب وكانت هذه المرتبة عبارة عن (برش) من الليف السميك الخشن الذي يستوي في خشونته مع الحصى المدبب .. ولكنه أفضل من البلاط على كل حال. وبعدها كان ( البيه الشاويش ) يسمح لنا بالنوم و هو صاحي !!!. وقد علمنا بعد ذلك و بعد إنتقالنا لسجن أبي زعبل أن هذا التغير المفاجيء - وإن شئت فقل الإنقلاب - في المعاملة كان بسبب إستشهاد الأستاذ كمال السنانيري رحمه الله .
مرت بنا الأيام والليالي حتى فقدنا الإحساس بالتاريخ .... والجغرافيا كذلك , وما تزال بورصة التكهنات قائمة .. كل يضرب أخماسا في أسداس .. أين نحن ؟ وفي أي سجن نقيم ؟!. وبمرور الزمن زادت القتامة والعتمة , فلم يكن يربطنا بالدنيا سوى شباكان صغيران في أعلى الزنزانة لا تزيد مساحة الواحد منهما عن 40 * 40 سم وكنا نتناوب النظر من خلالهما إلى خارج السجن لعل أحدنا يرى ما يرشدنا إلى مكاننا ولكن دون جدوى .. فكل ما كنا نراه صحراء قاحلة , مما رسخ لدينا شعورا بأننا بتنا ( ورا الشمس) كما يقولون , وزاد من قوة هذا الترسيخ ما كنا نسمعه من أصوات التعذيب التي تبدأ بعد العشاء بحوالي ساعة أو ساعتين وحتى قبيل الفجر , وذلك كل ليلة وكل منا يترقب دوره في المرور على هذه (السلخانة) الوحشية , وقد كان عذاب الإنتظار أشد وأقسى علينا من عذاب السياط , حتى اننا كنا نتخيل أن ضباط السجن يقومون بتشغيل تسجيلات لهذه الأصوات لإرهابنا قبل إجراء التحقيقات معنا وذلك لعدم تصورنا أن ما نسمعه يمكن أن يقوم به بشر أو يستطيع أن يتحمله بشر , إلى أن أصابنا (الدور) فتيقنا أن ما نسمعه حقيقة لا تسجيلات .
و ذات ليلة وبينما أنا شارد الفكر فيما نحن فيه .. أزاح الفكر النوم من عيني حتى قبيل الفجر , و وسط سكون الليل البهيم .. وبينما أنا شارد أفكر .. إذا بصوت حمار يأتي من بعيد .. فأرعيته السمع .. فجاء مرة أخرى , وهنا كاد قلبي يفارق أضلعي من شدة الفرح بصوت الحمار .. ها نحن ما زلنا في ( الدنيا ) ولم نذهب وراء الشمس كما كنا نظن , و هنا وجدتني أوقظ كل من معي في الزنزانة , فسماع صوت الحمار يعني بالنسبة لنا الكثير .. يعني الأمل.. يا قوم إستيقظوا .. سمعت صوت حمار .. سمعت صوت حمار .. وكدت يومها من شدة الفرح أن أغني : سمعت صوت حمار في السحر !!!. و ا ستيقظ الجميع وجلسنا صامتين في ترقب (لشدو) الحمار ... حتى أطربنا الحمار ( بشدوه ) مرة أخرى , وكانت ليلة لا تنسى ... أطربنا فيها صوت الحمار.
طمأننا صوت الحمار أننا ما زلنا ( في الدنيا) ولكن أحدا منا لم يكن يعلم أين نحن , حتى سمعت ذات صباح صوت (منادي) السجن ينادي بصوت جهوري : عبد المنعم أبو الفتوح عبد الهادي .. رد ياله !! , عبد العال محمد الجابري .. رد ياله !! , هذان (الولدان) المعنيان كانا فضيلة الشيخ الجليل / عبد المتعال الجابري رحمه الله وتقبله في الصالحين و الأخ الفاضل الدكتور / عبد المنعم أبو الفتوح حفظه الله وتقبل منه جهاده .. اللهم آمين . حين سمعت هذين الإسمين الكريمين علمت أننا في سجن إستقبال طرة لعلمي بذلك مسبقا : أن المتحفظ عليهم في هذا السجن . وقد صار هذا السجن بعد مقتل السادات (سلخانة) كبرى كما كنا نسميه آنذاك.
كنا نعيش في الزنزانة حوالي عشرة أفراد .. يزيدون أحيانا إلى العشرين و يقلون أحيانا - حسب (الوارد) - إلى إثنين أو ثلاثة وذلك في زنزانة لا تزيد مساحتها على العشرين مترا مربعا , وللقاريء الكريم أن يتخيل كيف كان ينام الواحد منا في أقل من متر مربع واحد !!!, و مع زيادة ونقصان العدد كانت تحدث لنا الكثيرمن الطرائف مع الشاويش النوبتجي الذي يقوم بـ (التمام) علينا , وكان (تمام) الزنزانة يتم مرتين في اليوم .. صباحا ومساء ومن يقوم به في الصباح يسلمه لمن يليه في المساء وهكذا..., وذات ليلة كان (تمامنا) المسائي عشرة أفراد وبالليل جاءنا (ضيف) جديد فصرنا أحد عشر فردا , ثم جاء (تمام) الصباح فسألنا الشاويش : كم ياله ؟ رددنا.. إحداشر يا فندم ... فنظر في الورقة التي معه مليا (و المكتوب فيها أن التمام المسائي عشرة أفراد فقط ) ثم أعاد السؤال : كم ياله ؟ فرددنا مرة أخرى .. إحداشر يافندم .. فما كان منه إلا أن ثار غاضبا منا وسأل : أمال فين العاشر يا ولاد الـ...؟!!! وهنا ضجت الزنزانة بالضحك ... وكانت علقة !!!. عشت في هذا السجن أو قل إن شئت ( السلخانة ) حوالي شهرين , خرجت خلالهما من الزنزانة مرتين أو ثلاثة فقط لا غير وكان هذا للتحقيقات , و كنا ننام ونستيقظ و نأكل ونشرب ونقضي حاجتنا في الزنزانة وقد كانت مجهزة لذلك حيث كان يوجد حمام واحد لكل زنزانة , وكان هذا الحمام (نعمة) عظيمة أكرمنا الله بوجودها مقارنة بما كان موجودا في السجون الأخرى , وقد أحسسنا بهذه (النعمة) لما جاءنا بعض الإخوة من سجون أخرى لم تكن بها هذه ( الميزة) فقد كانوا يخرجون لقضاء الحاجة مرتين يوميا فقط .. واحدة في الصباح و الأخرى في المساء , وقد حكى لنا أحد الإخوان القادمين من ليمان طرة ( الذي كان السادات قد أقام الإحتفالات بهدمه ) حكى لنا هذه الطرفة : ذات صباح خرج النزلاء من الزنازين كعادتهم كل صباح , وتو جه القوم إلى الحمامات لقضاء الحاجة أولا ثم بعد ذلك توجهوا إلى صنابير المياه للوضوء , فلاحظ الشاويش إزدحامهم أولا على الحمامات مع وجود أماكن الوضوء خالية وبعد إنتهائهم من قضاء الحاجة ينقلب الوضع فتصبح الحمامات خالية و أماكن الوضوء مزدحمة , فعاب عليهم سوء تصرفهم هذا !!! , و أراد هذا – العبقري - أن يحل لهم المعضلة فقال لهم بلسان سليط : ياولاد الـ ..... قسموا نفسكم فريقين .. فريق في الحمامات و فريق يتوضأ .. ولما ينتهي اللي بيتوضوا من وضوئهم يذهبوا للحمامات ... ولما اللي في الحمامات يخلصوا يروحو يتوضوا ... شغلوا مخكم ياولاد الـ ...... إيه ... ماذا نقول ؟!!! حكومة !!! ونكمل الذكريات في لقاء قادم بإذن الله
وطنــــــــــــــــــــي..

شاهد و استمتع معنا مجاااااااااااااااااااااااانا

فييييييييييييييييييييييييييلم هندي
وصلني هذا الفيلم من صديقي
Ensan / www.ensan.us
المشهد الأول

أميتاب باتشان وهوه شباب لسة راكب الفيل بتاعه ورايح الشغل وكالعادة بيشتغل ظابط .. وهوه راكب قاعد يغنى بالهندى أغنيته المفضلة
واركب الفيل ..درجن درجن
واتفيّل ..درجن درجن .. ساعتين فى اليوم .. واشد الخرطوم .. ولا هييييييه ..
يسمع وهوه راكب صوت طفلة رضيعة بتعيط .. يركن الفيل على جنب وينزل يلقى طفلة رضيعة فى اللفة جنب الجامع
يتأثر جدا أميتاب من منظرها الرقيق فيغنى لها نص ساعة وهيه كمان تغنى له نص ساعة ..
ياخدها يحطها على الفيل عشان الفيل يوصلها البيت ويروح هوه شغله عشان عندهم النهاردة تعديل دستور الهند .. وهوه ماشى يبص ع اليفط المتعلقة فى كل أنحاء البلد .. ' الرئيس شوهان يرفض التوريث ' يبتسم ابتسامة هندى ويقول بالهندى الشعب ده هندى

المشهد الثانى
تفوت سنين ..أميتاب راجع من شغله وعلى فكرة لسة شباب برضه وداخل البيت .. البنت اللى كان لاقيها قدام الجامع كبرت واحلوت.
بقت عروسة هندى يعنى
يحبها وتحبه .. ياخدها على الغيطان .. يغنى لها نص ساعة وتغنيله نص ساعة ..
وفجأة تيجى العصابة بتاعة الراجل الشرير حوالى ستين واحد عشان يخطفوا البنت عشان هيه دى البنت الوحيدة فى الهند كلها اللى الراجل الشرير الوِحِش عايز يخطفها ..
أميتاب يخلص علي الستين واحد كلهم بمسدساتهم بمطاويهم بس للأسف ضافر واحد منهم خدش دراعه ..حبيبته تجرى عليه تغنى له نص ساعة ويغنى لها نص ساعة وياخدها على البيت بسرعة عشان عندهم النهاردة تعديل دستور..وهوه ماشى يبص ع اليفط اللى فى الغيطان الرئيس هوجو يوجا شاهى شوهان يرفض التوريث
المشهد الثالث
تفوت سنين .. أميتاب باتشان راجع من شغله .. وبجد بجد لسه شباب برضه .. يدخل البيت .. يلاقى ست كبيرة عجوزة نكتشف ان هيه دى الطفلة الصغيرة اللى لقاها قدام الجامع .. فجأة تيجى العصابة تخطفها قدامه المرة دى ..يجرى وراهم بالفيل الفور باى فور لغاية ما يوصل لبيت الراجل قليل الأدب الشرير اللى أكيد عنده تمساح
يدخل البهو الكبير يلاقى الراجل واقف والست متعلقة من صرصور رجلها فى السقف .. يدور بعنيه ع التمساح .. يسأل الراجل بالهندى :التمساح بتاعك فين يا عم؟
يرد الراجل : فى البير اللى فوقه مامتك .. يتعجب أميتاب بالهندى :
مامتى؟ يرد الراجل بشماته : أيوة الست دى أمك ..نياهاهاهاهاهاه ..
ينظر له أميتاب وهو يضحك ويقول ف سره : عبيط ده وللا ايه؟
يتأثر جدا أميتاب ويراجع بالهندى نشيد أمى نداء محبة بل إن كل الحب أم ويمسك وجه الست بحنان ويقول لها : انتى أمى؟ ترد الست : ايوة يا أميتاب يا ابنى .. أنا مارضيتش أقوللك ع الحقيقة المُرَّة دى وانا فى اللفّة عشان العار ..
وعشان تصدق شوف دى.. تطلّع له سلسلة فضة عليها صورة واحد مايعرفوش .. أكيد ده ابويا؟ ترد عليه : لا يا ابني ده جوز اخت عمتك..
يغنى لها نص ساعة وتغنيله نص ساعة .. يحضنها أميتاب بإيد كالعادة ويخلص ع العصابة بالإيد التانية وطبعا يخللى التمساح ياكل الراجل الشرير الثافل الوِحِث .. يخرج من القصر يقول لأمه : انجزى يا حاجة عشان عندنا النهادرة تعديل دستور .. ينظر إلى اليفط المتعلقة الرئيس حادى بادى كرنب زبادى شالو حطو كله علادى هوجا يوجا شاهى شوهان يرفض التوريث
المشهد الأخير

تفوت سنين..أميتاب باتشان راجع من شغله .. بجد بجد بجد لسة شباب برضه ..راجع البيت يلقى الست أمه بقت عجوزة أوى..
فجأة ييجى واحد شباب على موتوسيكل يطخ الولية عيارين .. يجرى وراه أميتاب بالفيل يكتشف ان الراجل ده يبقى حفيد الراجل الشرير ..
يقتله اميتاب باتشان ويرجع لأمه يغنى لها نص ساعة وتغنيله نص ساعة .. الست تقول له وهيه بتموت :
أميتاب يابنى أنا عايزة اقوللك على سر .. أنا مش أمك .. أنا أبقى جدتك .. والراجل اللى انت قتلته ده يبقى ابن أخت المخرج .. والراجل الشرير يبقى خالك .. وابن الراجل الشرير يبقى عمك .. والعصابة كلها أخواتك فى الرضاعة ..
يصرخ أميتاب باتشان من الصدمة ويغنى نص ساعة وهيه تغنى نص ساعة والواد المقتول يغنى نص ساعة .. الست المجهولة دى تقول له : انت مش مستعجل ليه ؟ هوه مفيش تعديل دستورى النهاردة ؟
يرد أميتاب : النهاردة الخميس أجازة م التعديلات
..
تموت الأم .. يلفها أميتاب بقماش من بتاع اليفط مكتوب عليه
الشعب أساسا يقبل التوريث
http://www.ensan.us/

ذكريات وطنية !!! ... 1

!!!... و كان الليمان أمنية

في إحدى ليالي خريف العام 1981 م وفيما سُمِّي وقتها بـ ( أيلول الأسود .. النسخة المصرية) دق جرس الباب ففتحت لأجد ضابط المباحث بالباب واقفا يطلب مني – بأدب جم - الإستعداد للذهاب معه خمس دقائق ..!! والعودة للبيت بعد ذلك , وقد شاءت إرادة الله أن يبارك في هذه الخمس دقائق حتى أنها إقتربت من عام كامل , والحمد لله على هذه البركة .. !!! , ومن ألطف ما سمعت حول هذه (الخمس دقائق) ما سمعته من أستاذنا الشيخ / محمد حسين حفظه الله , فقد طلب منه الضابط - في نفس الإعتقالات - أن يذهب معه لمدة ربع ساعة , و فوجيء الضابط بالشيخ يطلب من أهل بيته تجهيز ملابس صيفية وشتوية بكميات كبيرة , فسال الشيخ متعجبا : لما كل هذه الملابس و أنا قلت لك ربع ساعة فقط , فرد عليه الشيخ بخفة ظله المعهودة قائلا : في عام 1965 قلتم لنا خمس دقائق وجلسنا عشر سنين !!! , والآن تقول لي ربع ساعة , فالله وحده يعلم إن كنا سنعود للبيت مرة أخرى أم لا!!!.
توجهنا بعدها لمقر مباحث أمن الدولة بشبين الكوم لأقابل هناك الأخ معاوية هيكل من كلية الزراعة والأخ أحمد عامر من كلية العلوم , ثم توجهنا جميعا إلى حجز قسم شرطة شبين تمهيدا لترحيلنا , وهنا بدأ ( الجد) .. فقد بات ثلاثتنا في الحجز ليلتين من أحلك الليالي , حيث كان معنا جماعة من أرباب السوابق والمجرمين الذين يمارسون حياتهم بشكل يجعلك تسأل نفسك ألف مرة : هل خرج هؤلاء من ظهر آدم مثل باقي البشر ؟!!. إذ يكفي أن تكون جالسا في أمان الله ثم تفاجأ بأحدهم يرفع ملابسه ثم يقضي حاجته بلامبالاة عجيبة بجانبك .. هكذا والله ( ولا إحم ولا دستور ) كما يقول أهلنا في الريف , ومرت علينا الليلتان ونحن نلهث بالدعاء : يارب أخرجنا من هذا المكان حتى ولو إلي الليمان !!!.
في صباح اليوم الثالث إستجاب الله لدعائنا ونادى الشاويش : الجماعة السياسيين .. فانفرجت أساريرنا و رددنا بفرح و فخر : نعم , فقال : ترحيل , ركبنا سيارة الترحيلات وتوجهنا إلى حيث لا نعلم , وجلسنا نضرب أخماسا في أسداس حتى وجدنا أنفسنا أمام بوابة ضخمة تعلوها لوحة كبيرة كُتِب عليها بخط جميل ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) صدق الله العظيم .. هكذا والله ...!!!! , وكانت هذه إشارة لنا أننا بدأنا الرحلة أو البعثة كما كان يحلو لكثير منا تسميتها . بعد ساعات عرفنا أننا داخل سجن المرج , وتفرقنا كل في زنزانته الإنفرادية ليلة أو ليلتين لا أذكر , حتى سمعنا ذات صباح قرآن الجمعة و أخرجونا وقتها من الزنازين , و أذكر وقتها أنني سألت أحد الضباط بسذاجة : هل سنذهب لصلاة الجمعة ؟!!!. فرد : إن شاء الله حتصلوا الجمعة !!! وكان إخراجنا من الزنازين تمهيدا لترحيلنا إلى سجن آخر.
أَرْكَبونا بعدها سيارة الترحيلات معصوبي الأعين و كما الحيوانات .. لا موضع لقدم , و انطلقت بنا السيارة في ( زفة ) من الحراسة إلى حيث لا ندري , وهنا بدأت بورصة التكهنات .. فمن قائل يقول : إننا متوجهون إلى ليمان طرة , فيرد عليه آخر : ليمان طرة إيه ؟ دا السادات هده !!! إلى قائل : نحن متوجهون إلى الواحات , فيرد ثالث : لا .. بل إلى وادي النطرون , وهكذا زادت التكهنات والتوقعات وتعددت , ولم يكن يجمع هذه الأماكن في ذهني إلا أمر واحد : أن داخلها مفقود والخارج منها مولود , و ذلك طبقا لما أعرفه من قراءاتي السابقة عما لقيه السابقون في السجون والمعتقلات.
ظل بنا الحال هكذا حتى وقفت السيارة وفُتح بابها وبدأنا في النزول منها , وهنا بدأت الصرخات والآهات , فما أن ينزل الواحد منا حتى تتلقفه الأيدي والأرجل في همجية ووحشية لا نظير لها فيما كانوا يسمونه (حفلة الإستقبال ) , ساعتها أيقنت أنها النهاية .. فالكل يصرخ والكل ينتحب والكل معصوب العينين لا يدري من أين يأتيه الأذى , لم يكن يشغل تفكيري وقتها إلا شيء واحد : أن أموت على الإسلام , فالتفكير ساعتها لم يكن في الموت .. فالموت محقق لا محالة , إنما الخوف كل الخوف أن أموت على غير الإسلام , كانت أشد اللحظات رعبا وفزعا حين طرحني أحدهم أرضا فلامست يداي بللا أحسست ساعتها – وأنا معصوب العينين - أنها دماء من سبقني , ظللت في هذه الحالة من الرعب والفزع حتى نزل السوط الأول على ظهري , وبعدها لم أدرِ كم عدد السياط واللكمات التي نزلت عليَّ بعد ذلك .. فلم أعد أحس بشيء من ذلك , وكان هذا من لطف الله ورحمته بنا وعلمه – سبحانه وتعالى – بعجزنا البشري , فقد كان السوط المستخدم ساعتئذ عبارة عن كابل كهرباء سميك وقد رأيته حين وقعت العصابة من فوق عيني ولكني من شدة الفزع أعدت العصابة مرة أخرى حتى لا أرى ما يجري لي ولإخواني .
ظل الحال هكذا ما يقرب من الخمس ساعات متصلة , ثم بعدها جاءت (حفلة ) الحلاقة وفيها يجلس الواحد منا القرفصاء أمام الحلاق لحلاقة شعر رأسه (عالزيرو) ومع كل خصلة شعر تنزل تكون اللكمة أو الصفعة , وقد عافاني الله من هذه الوليمة لأنني كنت (عالزيرو) بشكل طبيعي !!!. مع الحلاقة كان يتم تسجيل أسماء (النزلاء) ووظيفة كل منهم , أذكر أن الذي كان عليه الدور بعدي لما سئل عن وظيفته قال : معيد بكلية أصول الدين يا فندم فوكزه الشاويش غاضبا وقال : وكمان معيد يابن الـ...., بعد ذلك بدأوا في توزيعنا على الزنازين وسط مزيد من السياط واللكمات والصفعات وكان من أعجب ما قابلته : أن من كانوا يصحبوننا إلى الزنازين كانوا يلحون علينا بشكل عجيب قائلين : إبعد عن اللهم يتم أطفالهم ورمل نساءهم وأدعي زي ما أنت عايز !!!. وقد عرفنا فيما بعد سر ذلك الإلحاح العجيب من الحراس و خوفهم الذي كان يصل إلى حد الهلع من الدعاء عليهم , كان هذا السر في ليلة قضاها المعتقلون قائمين خاشعين مبتهلين بالدعاء على الطغاة والظالمين خلف الشيخين الجليلين : عبد الحميد كشك و عبد الرشيد صقر رحمهما الله تعالى رحمة واسعة , حتى إني سمعت من بعض الملازمين للشيخ كشك أنه ظل – رحمه الله – ساجدا في هذه الليلة حتى طلوع الفجر , وفي صباح اليوم التالي سمع الجميع بخبر إغتيال الرئيس السادات , فكان للخبر وقع الصاعقة على الحراس و مسؤولي السجن بعد ما سمعوا من دعاء المظلومين ليلا وفي وقت السحر , إذ أنه ليس من رأى كمن سمع كما يقولون , وقد رأوا بأعينهم وشاهدوا بأنفسهم آية من آيات الله مع عباده الصالحين
ونكمل الذكريات في لقاء قادم بإذن الله
وطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــني.

إهداء


إلى أخي الحبيب

و أستاذي الفاضل

د. عصام العريان

صاحب الفضل الكبير في فكرة إصدار هذه المدونة

أهدي إليه هذا الجهد المتواضع

تلميذكم / وطني


الخلاصة

لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم أن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. صدق الله العظيم - الممتحنة - 8/9

إنطــــــلاق مدونة وطنـــي