.. ....
أدعو الأمة إلى تطبيع العلاقة مع كل أحد إلا الشيطان وإسرائيل ، نحن بحاجة إلى تطبيع العلاقة بين الحاكم والمحكوم , والرئيس والمرؤوس , والأستاذ والطالب , والأب والابن , والزوج والزوجة، نحن نفتقر إلى مصالحة اجتماعية وميثاق شرف أخوي يكون أصلا للتفاهم في ما بيننا ؛ لأن في الأمة صراعات فكرية وحزبية ومذهبية وقبلية وجهوية، حدثت يوم نسيت الأمة رسالتها الربانية العالمية.. رسالة الإيمان، فالحكام يوجهون اللوم للشعوب في الخروج على الطاعة وإثارة الفتن والشغب ، والشعوب ترى أن الحكام أهل استبداد وقتل للحريات ومصادرة للحقوق ، والمتدينون طوائف ، كل طائفة ترد على الأخرى وتجمع مثالبها وتذكر معايبها، والمثقفون يتراشقون بالتهم بين إسلامي وليبرالي وعلماني وحداثي ، والعوام مشغولون بمدح القبيلة وذكر مآثرها ومناقبها وأمجادها، التي ما صنعت طبشورة.ء
وبعض الرجال يرون أن المرأة أخذت أكثر من حقوقها وتعدت طورها وأجحفت بحق الرجل ، وبعض النساء يصرخن من ظلم الرجل وقهره وجفائه وقلة وفائه ، والأستاذ يرى في الطالب قلة الأدب وعدم المبالاة مع الإهمال ، والطالب يرى في الأستاذ الشراسة وضحالة المادة وقلة الأمانة ، فاصبح المجتمع يتراشق التهم والردود ، ومن يقرأ صحفنا يجد مئات الأعمدة كلها ردود وانتقام وقصاص، وبيانات متضاربة كل يكذب الآخر ويتهمه ويستعدي عليه .. مرة السلطة وأخرى المجتمع ، فإن لم ينفع دعا عليه ، فإن لم يجد توعده بنار جهنم وبئس المصير.ء
يا دعاة التطبيع مع القتلة من أحفاد بن جوريون وطلاب موشى ديان والأفاقين وشذاذ العالم ، دعونا من هذا التطبيع القبيح ، وتعالوا إلى التطبيع الجميل الراقي بين ابناء الأمة الواحدة ، تعالو نتسامح ونتصافح ونتناصح ويعفو بعضنا عن بعض ونتمثل قوله تعالى: (انما المؤمنون أخوة)ءأوقفوا بيانات التشنيع والتجريح ، أغلقوا محاكم التفتيش عبر الصحف ومواقع الانترنت، أغمدوا الألسنة الطويلة البذيئة عبر القنوات والمنابر الإعلامية ، تعلموا من ادب الوحي ، يقول تعالى :(وقل لعبادي يقولوا التي أحسن ) ، توبوا من الهمز والغمز واللمز ، لأن هذا شأن الخسيس الذليل التافه الحقير الساقط الارعن الجبان (ويل لكل همزة لمزة) نريد من العقلاء والعلماء والأسوياء أن يسمعونا كلمة طيبة وجملة مفيدة وعبارة حلوة مشرفة يقول صلى الله عليه وسلم : ( الكلمة الطيبة صدقة ) . قبل أن تتهمني حاورني ، وقبلما تحاكمني اسمع مني ، وقبلما تفضحني انصحني ، وقبلما تشنقني امنحني فرصة لأدافع عن نفسي ، لقد امطرنا صباح مساء بدعاة التطبيع مع إسرائيل لكنهم في المقابل يستحلون السخرية بإخوتهم والتهكم برسالتهم والاستهزاء بأمتهم حتى صدق عليهم قول الشاعر : ( أسد علي وفي الحروب نعامة ) ، نحن بأمس الحاجة إلى سلم إجتماعي ومصالحة وطنية شاملة تبدأ من رأس الهرم إلى الرجل البسيط ، بيننا فجوة اجتماعية ، عندنا قسوة في التعامل مع من خالفنا ،فبعض أهل العلم إذا أراد أن يرد على عالم خالفه شنع عليه وشهر به واستعدى عليه الناس ، فتجد عبارات : فاسق ، زنديق ، كافر ، ضال ، مبتدع ، وبعض المفكرين يثير قاموس الشتائم على من اعترض عليه ، فهو يصف خصومه من الدعاة بمتذمت ومتطرف وخارجي وإرهابي ومتعصب ، وبعض الفئات حجزت لأنفسها مقاعد في الجنة وأغلقت أبواب الجنة الثمانية عن الآخرين والويل لمن يطمع في الجنة بعد هذا .ء
بعد أن كنا خير أمة أخرجت للناس ، صرنا نتقاتل ونتهاجى ونتطاحن فيما بيننا ، فالعراقي يقتل العراقي والفلسطيني يذبح الفلسطيني ، والصومالي ينحر الصومالي ، والأفغاني يمزق الأفغاني ومن نجا من القتل ما سلم من السب والتخوين والسخرية ، إذا فنحن أحوج ما نكون إلى مد جسور الإخاء وتطبيع العلاقة ونزع فتيل العدواة واجتثاث شجرة الشر ونبذ الكراهية.ء
د.عائض القرني - نقلا عن الشرق الأوسط