رعاياك .. يا دولة البابا !!!

.
نعم .. رعاياك يا دولة البابا .. ليس خطأ مطبعيا و لا إغفالا من الكاتب لمكانة البابا الدينية عند إخواننا الأقباط , لكنها صرخة تنبيه وتحذير .. صرخة من مواطن مصري يخاف على أبناء وطنه – أقباطا ومسلمين سواء بسواء - من شؤم فتنة يرى بوادرها تلوح بالأفق , وقانا الله جميعا شرها .
.
إن أي متابع منصف لموقف البابا شنودة من أحداث دير أبو فانا ... يجد نفسه وجها لوجه مع حقيقة صادمة و شرخ عميق في وحدة هذا البلد و سيادته , نحن و بوضوح شديد أمام تصرفات رجل دولة لا رجل دين !!! , بدا هذا واضحا منذ اللحظة الأولى للأحداث ... منذ انتقال الرهبان من المنيا إلى مستشفى ( قبطي ) !!! بالقاهرة و ما صاحب ذلك من بروباجندا في الداخل والخارج وقوله للرهبان في زيارته الإستعراضية لهم بالمستشفى ( انا عارف كل حاجة ) و ما بدا وقتها كرسالة للجميع في الداخل والخارج –كذلك – من خلال ظهور الرهبان بلباس الرهبنة و هم على الأسرة ... إلى إصداره تعليمات للرهبان و القساوسة يعدم التعامل مع محافظ المنيا وكافة أجهزة الدولة المعنية بهذا الأمر من لجان ووزارات إلا بعد الرضوخ لشروطه و الاستجابة لأوامره . العجيب أن أحدا لم يسأل نفسه : ما علاقة البابا باحتجاز النيابة لمتهمين بجريمة قتل هم رهن التحقيق فيما نسب إليهم ؟!! و بأي صفة يتحدث في هذا الموضوع أساسا؟!!.
.
نحن – و الحال هكذا – لسنا أمام رجل دين يباشر رعايته الدينية والكهنوتية على الكهنة والقساوسة داخل الكنيسة أو الدير , بل أمام مسلك رئيس دولة يمارس سلطته على مرؤوسيه , يحدد لهم من يقابلون و مع من يتعاملون من الدولة المصرية !!!.
.
في حدود علمي أن هؤلاء القساوسة والرهبان مواطنون مصريون يخضعون للقانون المصري و للسيادة المصرية , و لا تمنعهم – ولا تحصنهم كذلك - مكانتهم الدينية من هذا الخضوع , وهم في هذا الجانب سواء بسواء مع كافة أفراد الشعب المصري , و في حدود علمي – كذلك – أن سلطة البابا عليهم هي سلطة رعوية كهنوتية داخل الأديرة و الكنائس ليس إلا , و لكن دولة البابا كان له رأي آخر, فصدرت الأوامر بعدم التعامل مع المحافظ الذي هو – طبقا للدستور- رئيس الجمهورية في محافظته , و بالتالي مقاطعة كل مؤسسات الدولة !!!. و لعله من نافلة القول أن هذا تحديا غير مسبوق لسيادة الدولة و دعوة صريحة للعصيان الطائفي في مواجهة سيادة القانون .
.
في البداية و حين أعرب البابا عن رفضه للصلح وللمجلس العرفي مطالبا بأن يأخذ القانون مجراه - وكلنا معه في ذلك - فرحت وقلت لنفسي لعله قد آن الأوان ليسود القانون ويأخذ الجاني عقابه الذي يستحق و تعود الدولة المخطوفة كما عبر عن ذلك ببراعة الدكتور عمرو الشوبكي , و لكن و– يا فرحة ما تمت – بمرور الوقت اتضح لنا أي قانون يريده البابا , إن ما يريده البابا هو قانون الإعتكاف !!! هل تذكرونه ؟!! هل تذكرون وفاء قسطنطين ؟!! ما يريد تطبيقه البابا أن ترضخ الدولة بكل مؤسساتها لأوامره وشروطه و تمرغ سيادتها في الوحل أو الإعتكاف في الدير و عدم الإحتفال بالأعياد و و و إلخ هذه المنظومة التي تصب في إتجاه الإحتقان الطائفي البغيض . و حتى يوضع كلامي في موضعه الصحيح , وحتى لا يخرجه أحد عن سياقه الطبيعي أكرر هنا ما قلته قبل ذلك على صفحات المصريون الغراء في معرض حديثي عن أحداث العياط بالمنيا – لاحظ : المنيا !!!- فقد قلت ما نصه ( إن ما حدث في العياط – وببساطة شديدة - جريمة لها في القانون علاج ناجع أيا كان حجمها , وهذا العلاج – وببساطة أشد- يكمن في كلمتين .. معاقبة الجاني .. أيا كان موقعه و أيا كان دينه .. إمام مسجد أو راهب كنيسة .. فأمن الوطن و سلامة مواطنيه لا يصح بحال أن يبقى رهينة بيد حفنة من المراهقين السياسيين أو المغامرين الصغار ) .
.
إن أخشى ما أخشاه على هذا الوطن أن يكون البابا شنودة و رجال الكنيسة معه قد بدءوا في تطبيق سياسة الأرض المحروقة , و لا أجدني في حاجة لكثير جهد لأبين ما يمكن أن يلحق بالبلاد و العباد جراء تطبيق هذه السياسة , و في نفس الوقت لا أجدني – كذلك – في حاجة لكثير جهد لأبين أن وتيرة الأحداث تتصاعد بشكل يوحي لأي مراقب بأن شيئا ما يدبر بليل , و إلا : فهل المصادفة البحتة هي التي وراء مطالبة الكنيسة في أسيوط بحصة ثابتة في الدقيق في هذا التوقيت بالذات ؟ و هل نزل الوحي على كهنة الكنيسة في أسيوط – كذلك – وفي نفس التوقيت للضغط على المحافظ بل وابتزازه لشراء قطعة أرض من ثلاثة عشر فدانا و ضمها للدير هناك ؟!! مجرد سؤال . و في نفس السياق .. هل ما قراناه وتابعناه عما يجري في واشنطن حيث يقيم البابا شنودة هناك للعلاج و موافقته لأحد رجال الكنيسة بعقد مؤتمر صحفي عن أحداث دير أبو فانا يعلن فيه – حسب قوله – حقائق تعلن لأول مرة , و التهديد بعرض صور و أفلام عن تعذيب الرهبان , و في نفس التوقيت يقوم أحد رجالات الكنيسة بزيارة معهد هدسن الصهيوني و المعني بسلامة و أمن إسرائيل للحديث عن مشاكل الأقباط في مصر !!!, هل كل هذه الأحداث اجتمعت في هذا التوقيت صدفة ؟ أم تراه تصعيدا مقصودا ومدروسا بعناية ؟.
.
ثمة مسالة في غاية الخطورة لم يلتفت لها أحد في غمرة الأحداث , ألا و هي طريقة تعامل الأعراب مع الرهبان المختطفين , هذه الرواية – إن صحت – لجديرة بأن نقف أمامها طويلا , فهذه ثقافة غريبة على مجتمعنا و لم نسمع عنها من قبل , فإهانة رجل الدين بالشكل الذي سمعناه و قرانا عنه ليست بالأمر الهين علينا جميعا و فاعلها مجرم يستحق العقاب , و مع عقاب المجرم يأتي السؤال : كيف وصلنا إلى هذه الحالة من الكراهية و البغض لبعضنا البعض ؟؟؟.
.
ثمة تراكمات كثيرة رسخت في وجدان المواطن المسلم آن لنا أن نناقشها بهدوء وموضوعية مفادها : أن أخاه المسيحي فوق القانون , و كثيرا ما سمعنا عن تهديد موظف مسيحي لزميله المسلم بان ( ورقة ) صغيرة لأمن الدولة تكفي لعمل كذا وكذا و كذا , و يكفي لتغذية شعور الشاب المسلم بالقهر أن يرى مسجده يغلق عقب كل صلاة و في نفس الوقت يرى الكنيسة مفتوحة أبوابها طوال النهار والليل , كذلك رؤيته لباصات الكنائس تغدو وتروح برحلات الشباب و الفتيات في شواطئ مصر بطول البلاد وعرضها و هو لا يأمن على نفسه اعتكاف ليلة في مسجد , و الأمثلة على هذا أكثر من أن تحصى , و لقد بلغ هذا الشعور منتهاه مع واقعة وفاء قسطنطين , والتي ما زالت تمثل غصة في حلق كل مسلم حتى يومنا هذا , وواهم – بل وغارق في الوهم - من يظن أن أحدا قد نسي وفاء قسطنطين . هذا الشعور المتنامي لدى قطاعات كبيرة من المسلمين آن للمسئولين في هذا البلد أن يولوه الرعاية والاهتمام قبل فوات الأوان.

وقى الله مصر والمصريين جميعا شر فتنة ملعون من أيقظها.
........................................................

هناك ١١ تعليقًا:

مشروع انسان يقول...

للاسف حقا سوف تتزايد هذه المواقف طالما كان ورائها من يؤيدها وليس اى احد

ويبدو ان ما فى القلوب ان له ان يخرج

اللهم سلم هذه البلد

صيد الخاطر يقول...

السلام عليكم يابشمهندس

بصراحة ماشاء الله تبارك الله رب العالمين

من لعجيب اني كنت ناوي اكتب عن الموضوع قريبا بس طبعا ليس بهذه القوة

كنت هاخده من باب استفحال النصارى

وانهم واخدين وضعهم زيادة حبتين تلاتة

ولعلي اكتبه ان شاء الله مدعما بالصور

بصراحة موضوع اكتر من رائع نفع الله بك اينما حللت

غير معرف يقول...

الله الله الله
موضوع رائع بجد
وللاسف انهفعلا الكلام صحيح
جزاكم الله خيرا

غير معرف يقول...

موضوع ممتاز يا أستاذنا
جزاك الله كل خير

العجيب أنه كلما كتب المنصفون المتجردون عن ما يتمتع به النصارى من حقوق وامتيازات لا يتمتع بعشرها المسلمون، سارع المناقون والأذناب باتهامهم بالخيانة والعمالة ..

موضوع رائع يا سيدي.. أكثر الله من أمثالك

أحبك فيه تعالى

غير معرف يقول...

بدايه ... حضرتك منور المصريون بعد انقطاع
ثانيا ....انا بصراحة كدا خايف على حضرتك وبعددين احنا ما نقدرش نستغنى عنكم..المافيا كدا هتبدا تشتغل يا فندم.. ربنا يستر
مقال جرئ فى وقت نحتاج الى افاقه بعد طول تخدير
عمى الحبيب / أضف على القائمة السوداء وأقصد بها قائمة الافكار والمعتقدات ثم السلوكيات والممارسات ثم الفتن والمصائب التى بدات تتبلور وتظهر الى العلن فى مصر
الاحتقان لم يصبح مشكلة عابره ...
الاحتقان اصبح من مفردات الوطن ... اصبح ثقافة فى عقلنا الجمعى
الاحتقان الاجتماعى .. بين الطبقتين الاحتقان السياسى .... المتزايد الاحتقان الفئوى .. عماال / موظفين /طلاب /قضاه
الاحتقان المجتمعى ..النقابات /الجمعيات/النوادى الاحتقان الاسرى ... البيوت /العنف/اطفال الشوارع زادت واسودت .. الاحتقان الدينى ..مصيبة المصائب وام الفتن

نحن وبكل وضوح امام انهزام وتراجع لدور الدولة ...يوازيه تجييش للطوائف على الطرفين سواء المسيحى والمسلم لا يهم الان ان نذكر من البادئ هل الطرف المسيحى ومن ثم كان ردة الفعل لدى الطرف المسلم ام العكس لان مثل البادئ أظلم لا ينطبق هنا ... فى النهاية كلنا أظلم وكلنا مظلومون مصر فى تاريخها ثابتان رئيسيان ... اولهما: انها دولة منذ ان نشأت دور الدولة فيها لا بديل له ..واى مساس بكيان الدولة هو مساس مصر ... "وهنا فقط اوضح انى اقصد الدولة وليس الحكومة او النظام " ثانيهما :انها ابدا لم تعرف الفرق بين مسلم ومسيحى ويهودى او سنى وشيعى وضربت اروع مثال للتلاحم ولتماسك النسيج الوطنى واى مدخل فكرى جديد ماهو الا ثقافة دخيلة وفكر شاذ قابل للتحجيم وللطرد" فقط يستلزمنا ان نفيق وناخذ زمام المبادرة لان الوقت كما اسلفتم سيدى لى فى صالح المخلصين

محمد عبد الرحمن يقول...

أستاذى المحترم
فعلا يتعامل بابا الأقباط مع الأحداث كأنه سلطة موازية ويستخدم نفوذه الدينى وموقعه من أجل التأثير على مجريات الأحداث فى البلاد وربما لجأ للى ذراع السلطة المدنية إستقواءا بالقوى الدولية المتنفذة تلميحا وتصريحا مستغلا لمجريات الأحداث إقليميا والتى تصب فى مجملها فى جانب تخويف النظام بفزاعات متعددة فى الوقت الذى تحتاج فيه السلطة حالة هدوء تمكنها من تمرير أجندة داخلية وهذا مكمن قوة البابا
ولست أنسى هتافات المعتصمين فى الكاتدرائية يوم إستنجدوا بشارون و لا أرى إلا ان الهتاف جاء تفريغا لشحن داخلى ظنوا أنه لن يفضح
يبدو أن ما تبقى من وقت لحدوث حادث جلل يكشف الأوراق كلها آخذ فى التناقص ةو الصبر فى طريقه إلى النفاد

غير معرف يقول...

جزاك الله خيرا يا ابو جهاد موضوع اكثر من رائع

alqassam يقول...

سنة اولى تدوين ...اهداء الى من احبهم واتعلم منهم ...جديد على مدونة القسام

مسلم من مصر - محمد على عطية يقول...

السلام عليكم و رحمة الله
أخى الفاضل
بارك الله فيك
احدى أخطر المشاكل التى تواجه هذا الوطن هو التعامل مع هذه القضايا من منظور أمنى صرف, و هو أسلوب غبى, حيث يتم الضرب بقسوة دون حل جذور المشكلة, فيتفرق الناس و لكن تبقى الحزازات فى الصدور, لتكون بذرة لخلافات مقدمة.
و لكن الطرف المظلوم يكون عادة المسلمين, الذين لا يجدون من ينصرهم, أما النصارى, فالنظام يتعامل معهم بطريقة أخرى, خوفا من ضغوط الغرب, مما يترك بدوره حزازات أخرى.
و القضايا كثيرة, فبجانب وفاء قسطنطين, لنتذكر ما حدث فى موضوع كنيسة محرم بك, و لنتذكر موقف الأمن الذى كان يتلقى الشتائم و الطوب من الشباب القبطى الغاضب لنشر صور القس المشلوح, و صاحب كل هذا صبر عجيب و ضبط للنفس, لم نره مع المتظاهرين المسلمين الذين تظاهروا فى الأزهر ضد رواية وليمة لأعشاب البحر, و هذا على سبيل المثال لا الحصر.
طالما أن العقلاء يقلون, و مثيرى الفتن و المتعصبين يزيدون, و الذين يبثون السموم فى النفوس يكثرون, فنسأل الله السلامة لبلدنا.

غير معرف يقول...

الأخ الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحيى طرحك الطيب والقيم
وعلى هذه الموضوعية التى تناولت به موضوع
على درجة عالية من الحزازية...
ونسأل الله تعالى أن يقى مصرنا شر الفتنة

م/ الحسيني لزومي يقول...

من اجل مصر
شارك في الحملة الشعبية للقيد بالجداول الانتخابية وادعو غيرك
ضع بنر الحملة علي مدونتك
البنر موجود علي مدونتي
اذا كنت ترغب في وضعه علي مدونتك ارسل ميلك كي ارسل لك كود البنر
ارجو المعذرة للدخول بلا مقدمات لأني ادخل علي مئات المدونات يوميا