و أطربني صوت الحمار ... !!!ء
أن تطرب لصوت نَدِّي جميل فهذا شيء فطري قد جبلنا الله عليه , أما أن تطرب لصوت الحمار فهذه بلا شك حالة
تستحق الوقوف عندها مليا للتأمل , فقد وصف الله عز وجل صوت الحمار بأنه أنكر الأصوات , فما هي قصتي مع الحمار ؟!.
بعد دخولنا الزنزانة أغلق بابها علينا مع تعليمات مشددة بالوقوف رافعي اليدين و وجوهنا للحائط مع التحذير الشديد لمن يخالف ذلك , وقفنا كذلك مدة طويلة ولم ندر إلا وصوت الشاويش يصرخ وهو ينزل علينا بالسوط : نايمين وأنا صاحي يا ولاد الـ.. , و كنا قد أدركتنا رحمة الله فنمنا دون أن ندري , ظل الحال هكذا لمدة أربع ليالي تقريبا .. نقف مع ( فاصل ) من الضرب بالسياط مع سيل من السباب و الإهانات مع التهديد و الوعيد وننام دون أن ندري ثم يفزعنا الشاويش بالسوط ولسانه الذي كان أشد علينا من السوط .. وهكذا .. حتى جاء الفرج .. و فوجئنا في صباح اليوم (الرابع أو الخامس) لا أذكر بباب الزنزانة يفتح وتدلف منه مجموعة كبيرة من الضباط .. منهم واحد أو إثنان من ذوي الرتب الكبيرة , وتحدثوا معنا بلطف و سألوا عن طلباتنا ثم أمر أحدهم بعض العساكر بإعطائنا مراتب لننام عليها , وكنا حتى هذه اللحظة ننام على البلاط ..! , أدخل العساكر المراتب وكانت هذه المرتبة عبارة عن (برش) من الليف السميك الخشن الذي يستوي في خشونته مع الحصى المدبب .. ولكنه أفضل من البلاط على كل حال. وبعدها كان ( البيه الشاويش ) يسمح لنا بالنوم و هو صاحي !!!. وقد علمنا بعد ذلك و بعد إنتقالنا لسجن أبي زعبل أن هذا التغير المفاجيء - وإن شئت فقل الإنقلاب - في المعاملة كان بسبب إستشهاد الأستاذ كمال السنانيري رحمه الله .
مرت بنا الأيام والليالي حتى فقدنا الإحساس بالتاريخ .... والجغرافيا كذلك , وما تزال بورصة التكهنات قائمة .. كل يضرب أخماسا في أسداس .. أين نحن ؟ وفي أي سجن نقيم ؟!. وبمرور الزمن زادت القتامة والعتمة , فلم يكن يربطنا بالدنيا سوى شباكان صغيران في أعلى الزنزانة لا تزيد مساحة الواحد منهما عن 40 * 40 سم وكنا نتناوب النظر من خلالهما إلى خارج السجن لعل أحدنا يرى ما يرشدنا إلى مكاننا ولكن دون جدوى .. فكل ما كنا نراه صحراء قاحلة , مما رسخ لدينا شعورا بأننا بتنا ( ورا الشمس) كما يقولون , وزاد من قوة هذا الترسيخ ما كنا نسمعه من أصوات التعذيب التي تبدأ بعد العشاء بحوالي ساعة أو ساعتين وحتى قبيل الفجر , وذلك كل ليلة وكل منا يترقب دوره في المرور على هذه (السلخانة) الوحشية , وقد كان عذاب الإنتظار أشد وأقسى علينا من عذاب السياط , حتى اننا كنا نتخيل أن ضباط السجن يقومون بتشغيل تسجيلات لهذه الأصوات لإرهابنا قبل إجراء التحقيقات معنا وذلك لعدم تصورنا أن ما نسمعه يمكن أن يقوم به بشر أو يستطيع أن يتحمله بشر , إلى أن أصابنا (الدور) فتيقنا أن ما نسمعه حقيقة لا تسجيلات .
و ذات ليلة وبينما أنا شارد الفكر فيما نحن فيه .. أزاح الفكر النوم من عيني حتى قبيل الفجر , و وسط سكون الليل البهيم .. وبينما أنا شارد أفكر .. إذا بصوت حمار يأتي من بعيد .. فأرعيته السمع .. فجاء مرة أخرى , وهنا كاد قلبي يفارق أضلعي من شدة الفرح بصوت الحمار .. ها نحن ما زلنا في ( الدنيا ) ولم نذهب وراء الشمس كما كنا نظن , و هنا وجدتني أوقظ كل من معي في الزنزانة , فسماع صوت الحمار يعني بالنسبة لنا الكثير .. يعني الأمل.. يا قوم إستيقظوا .. سمعت صوت حمار .. سمعت صوت حمار .. وكدت يومها من شدة الفرح أن أغني : سمعت صوت حمار في السحر !!!. و ا ستيقظ الجميع وجلسنا صامتين في ترقب (لشدو) الحمار ... حتى أطربنا الحمار ( بشدوه ) مرة أخرى , وكانت ليلة لا تنسى ... أطربنا فيها صوت الحمار.
طمأننا صوت الحمار أننا ما زلنا ( في الدنيا) ولكن أحدا منا لم يكن يعلم أين نحن , حتى سمعت ذات صباح صوت (منادي) السجن ينادي بصوت جهوري : عبد المنعم أبو الفتوح عبد الهادي .. رد ياله !! , عبد العال محمد الجابري .. رد ياله !! , هذان (الولدان) المعنيان كانا فضيلة الشيخ الجليل / عبد المتعال الجابري رحمه الله وتقبله في الصالحين و الأخ الفاضل الدكتور / عبد المنعم أبو الفتوح حفظه الله وتقبل منه جهاده .. اللهم آمين . حين سمعت هذين الإسمين الكريمين علمت أننا في سجن إستقبال طرة لعلمي بذلك مسبقا : أن المتحفظ عليهم في هذا السجن . وقد صار هذا السجن بعد مقتل السادات (سلخانة) كبرى كما كنا نسميه آنذاك.
كنا نعيش في الزنزانة حوالي عشرة أفراد .. يزيدون أحيانا إلى العشرين و يقلون أحيانا - حسب (الوارد) - إلى إثنين أو ثلاثة وذلك في زنزانة لا تزيد مساحتها على العشرين مترا مربعا , وللقاريء الكريم أن يتخيل كيف كان ينام الواحد منا في أقل من متر مربع واحد !!!, و مع زيادة ونقصان العدد كانت تحدث لنا الكثيرمن الطرائف مع الشاويش النوبتجي الذي يقوم بـ (التمام) علينا , وكان (تمام) الزنزانة يتم مرتين في اليوم .. صباحا ومساء ومن يقوم به في الصباح يسلمه لمن يليه في المساء وهكذا..., وذات ليلة كان (تمامنا) المسائي عشرة أفراد وبالليل جاءنا (ضيف) جديد فصرنا أحد عشر فردا , ثم جاء (تمام) الصباح فسألنا الشاويش : كم ياله ؟ رددنا.. إحداشر يا فندم ... فنظر في الورقة التي معه مليا (و المكتوب فيها أن التمام المسائي عشرة أفراد فقط ) ثم أعاد السؤال : كم ياله ؟ فرددنا مرة أخرى .. إحداشر يافندم .. فما كان منه إلا أن ثار غاضبا منا وسأل : أمال فين العاشر يا ولاد الـ...؟!!! وهنا ضجت الزنزانة بالضحك ... وكانت علقة !!!. عشت في هذا السجن أو قل إن شئت ( السلخانة ) حوالي شهرين , خرجت خلالهما من الزنزانة مرتين أو ثلاثة فقط لا غير وكان هذا للتحقيقات , و كنا ننام ونستيقظ و نأكل ونشرب ونقضي حاجتنا في الزنزانة وقد كانت مجهزة لذلك حيث كان يوجد حمام واحد لكل زنزانة , وكان هذا الحمام (نعمة) عظيمة أكرمنا الله بوجودها مقارنة بما كان موجودا في السجون الأخرى , وقد أحسسنا بهذه (النعمة) لما جاءنا بعض الإخوة من سجون أخرى لم تكن بها هذه ( الميزة) فقد كانوا يخرجون لقضاء الحاجة مرتين يوميا فقط .. واحدة في الصباح و الأخرى في المساء , وقد حكى لنا أحد الإخوان القادمين من ليمان طرة ( الذي كان السادات قد أقام الإحتفالات بهدمه ) حكى لنا هذه الطرفة : ذات صباح خرج النزلاء من الزنازين كعادتهم كل صباح , وتو جه القوم إلى الحمامات لقضاء الحاجة أولا ثم بعد ذلك توجهوا إلى صنابير المياه للوضوء , فلاحظ الشاويش إزدحامهم أولا على الحمامات مع وجود أماكن الوضوء خالية وبعد إنتهائهم من قضاء الحاجة ينقلب الوضع فتصبح الحمامات خالية و أماكن الوضوء مزدحمة , فعاب عليهم سوء تصرفهم هذا !!! , و أراد هذا – العبقري - أن يحل لهم المعضلة فقال لهم بلسان سليط : ياولاد الـ ..... قسموا نفسكم فريقين .. فريق في الحمامات و فريق يتوضأ .. ولما ينتهي اللي بيتوضوا من وضوئهم يذهبوا للحمامات ... ولما اللي في الحمامات يخلصوا يروحو يتوضوا ... شغلوا مخكم ياولاد الـ ...... إيه ... ماذا نقول ؟!!! حكومة !!! ونكمل الذكريات في لقاء قادم بإذن الله
مرت بنا الأيام والليالي حتى فقدنا الإحساس بالتاريخ .... والجغرافيا كذلك , وما تزال بورصة التكهنات قائمة .. كل يضرب أخماسا في أسداس .. أين نحن ؟ وفي أي سجن نقيم ؟!. وبمرور الزمن زادت القتامة والعتمة , فلم يكن يربطنا بالدنيا سوى شباكان صغيران في أعلى الزنزانة لا تزيد مساحة الواحد منهما عن 40 * 40 سم وكنا نتناوب النظر من خلالهما إلى خارج السجن لعل أحدنا يرى ما يرشدنا إلى مكاننا ولكن دون جدوى .. فكل ما كنا نراه صحراء قاحلة , مما رسخ لدينا شعورا بأننا بتنا ( ورا الشمس) كما يقولون , وزاد من قوة هذا الترسيخ ما كنا نسمعه من أصوات التعذيب التي تبدأ بعد العشاء بحوالي ساعة أو ساعتين وحتى قبيل الفجر , وذلك كل ليلة وكل منا يترقب دوره في المرور على هذه (السلخانة) الوحشية , وقد كان عذاب الإنتظار أشد وأقسى علينا من عذاب السياط , حتى اننا كنا نتخيل أن ضباط السجن يقومون بتشغيل تسجيلات لهذه الأصوات لإرهابنا قبل إجراء التحقيقات معنا وذلك لعدم تصورنا أن ما نسمعه يمكن أن يقوم به بشر أو يستطيع أن يتحمله بشر , إلى أن أصابنا (الدور) فتيقنا أن ما نسمعه حقيقة لا تسجيلات .
و ذات ليلة وبينما أنا شارد الفكر فيما نحن فيه .. أزاح الفكر النوم من عيني حتى قبيل الفجر , و وسط سكون الليل البهيم .. وبينما أنا شارد أفكر .. إذا بصوت حمار يأتي من بعيد .. فأرعيته السمع .. فجاء مرة أخرى , وهنا كاد قلبي يفارق أضلعي من شدة الفرح بصوت الحمار .. ها نحن ما زلنا في ( الدنيا ) ولم نذهب وراء الشمس كما كنا نظن , و هنا وجدتني أوقظ كل من معي في الزنزانة , فسماع صوت الحمار يعني بالنسبة لنا الكثير .. يعني الأمل.. يا قوم إستيقظوا .. سمعت صوت حمار .. سمعت صوت حمار .. وكدت يومها من شدة الفرح أن أغني : سمعت صوت حمار في السحر !!!. و ا ستيقظ الجميع وجلسنا صامتين في ترقب (لشدو) الحمار ... حتى أطربنا الحمار ( بشدوه ) مرة أخرى , وكانت ليلة لا تنسى ... أطربنا فيها صوت الحمار.
طمأننا صوت الحمار أننا ما زلنا ( في الدنيا) ولكن أحدا منا لم يكن يعلم أين نحن , حتى سمعت ذات صباح صوت (منادي) السجن ينادي بصوت جهوري : عبد المنعم أبو الفتوح عبد الهادي .. رد ياله !! , عبد العال محمد الجابري .. رد ياله !! , هذان (الولدان) المعنيان كانا فضيلة الشيخ الجليل / عبد المتعال الجابري رحمه الله وتقبله في الصالحين و الأخ الفاضل الدكتور / عبد المنعم أبو الفتوح حفظه الله وتقبل منه جهاده .. اللهم آمين . حين سمعت هذين الإسمين الكريمين علمت أننا في سجن إستقبال طرة لعلمي بذلك مسبقا : أن المتحفظ عليهم في هذا السجن . وقد صار هذا السجن بعد مقتل السادات (سلخانة) كبرى كما كنا نسميه آنذاك.
كنا نعيش في الزنزانة حوالي عشرة أفراد .. يزيدون أحيانا إلى العشرين و يقلون أحيانا - حسب (الوارد) - إلى إثنين أو ثلاثة وذلك في زنزانة لا تزيد مساحتها على العشرين مترا مربعا , وللقاريء الكريم أن يتخيل كيف كان ينام الواحد منا في أقل من متر مربع واحد !!!, و مع زيادة ونقصان العدد كانت تحدث لنا الكثيرمن الطرائف مع الشاويش النوبتجي الذي يقوم بـ (التمام) علينا , وكان (تمام) الزنزانة يتم مرتين في اليوم .. صباحا ومساء ومن يقوم به في الصباح يسلمه لمن يليه في المساء وهكذا..., وذات ليلة كان (تمامنا) المسائي عشرة أفراد وبالليل جاءنا (ضيف) جديد فصرنا أحد عشر فردا , ثم جاء (تمام) الصباح فسألنا الشاويش : كم ياله ؟ رددنا.. إحداشر يا فندم ... فنظر في الورقة التي معه مليا (و المكتوب فيها أن التمام المسائي عشرة أفراد فقط ) ثم أعاد السؤال : كم ياله ؟ فرددنا مرة أخرى .. إحداشر يافندم .. فما كان منه إلا أن ثار غاضبا منا وسأل : أمال فين العاشر يا ولاد الـ...؟!!! وهنا ضجت الزنزانة بالضحك ... وكانت علقة !!!. عشت في هذا السجن أو قل إن شئت ( السلخانة ) حوالي شهرين , خرجت خلالهما من الزنزانة مرتين أو ثلاثة فقط لا غير وكان هذا للتحقيقات , و كنا ننام ونستيقظ و نأكل ونشرب ونقضي حاجتنا في الزنزانة وقد كانت مجهزة لذلك حيث كان يوجد حمام واحد لكل زنزانة , وكان هذا الحمام (نعمة) عظيمة أكرمنا الله بوجودها مقارنة بما كان موجودا في السجون الأخرى , وقد أحسسنا بهذه (النعمة) لما جاءنا بعض الإخوة من سجون أخرى لم تكن بها هذه ( الميزة) فقد كانوا يخرجون لقضاء الحاجة مرتين يوميا فقط .. واحدة في الصباح و الأخرى في المساء , وقد حكى لنا أحد الإخوان القادمين من ليمان طرة ( الذي كان السادات قد أقام الإحتفالات بهدمه ) حكى لنا هذه الطرفة : ذات صباح خرج النزلاء من الزنازين كعادتهم كل صباح , وتو جه القوم إلى الحمامات لقضاء الحاجة أولا ثم بعد ذلك توجهوا إلى صنابير المياه للوضوء , فلاحظ الشاويش إزدحامهم أولا على الحمامات مع وجود أماكن الوضوء خالية وبعد إنتهائهم من قضاء الحاجة ينقلب الوضع فتصبح الحمامات خالية و أماكن الوضوء مزدحمة , فعاب عليهم سوء تصرفهم هذا !!! , و أراد هذا – العبقري - أن يحل لهم المعضلة فقال لهم بلسان سليط : ياولاد الـ ..... قسموا نفسكم فريقين .. فريق في الحمامات و فريق يتوضأ .. ولما ينتهي اللي بيتوضوا من وضوئهم يذهبوا للحمامات ... ولما اللي في الحمامات يخلصوا يروحو يتوضوا ... شغلوا مخكم ياولاد الـ ...... إيه ... ماذا نقول ؟!!! حكومة !!! ونكمل الذكريات في لقاء قادم بإذن الله
وطنــــــــــــــــــــي..