الإخوان والمشاركة السياسية

الإخوان و المشاركة السياسية


مع قراءة آخر تعليق على مقالنا السابق ( الإخوان و التغيير المنشود ) أيقنت أن رسالتي لم تصل إلا للقليل من القراء الكرام , و أن الأكثرية لم تستوعب حقيقة ما قصدت إليه , و قد أرجعت ذلك لسببين : أما أولهما فهو قصور مني في طرح الفكرة و عدم توضيحها بشكل كاف , لأنه من المعروف أن الكاتب هو المسئول عما يصيب القارئ من لبس في فهم ما كتب و ليس القارئ .
و أما الثاني فهو حالة التربص و الاستنفار الذهني الغريب لدى العديد من الإخوان تجاه كل ما يخالف تصوراتهم و أفهامهم , و قد و صل الأمر لحد التفتيش في النوايا و المقاصد !!!, فوضعني أحدهم في زمرة القاعدين المثبطين و اتهمني بأن الشيطان يزين لي سوء عملي و أنا بدوري أزين للإخوان ما زينه الشيطان لي . و هنا ألفت نظر القائمين على برامج التنشئة و التربية في الإخوان لضرورة معالجة هذه الآفة , فليس بمقبول أبدا أن يكون هذا حال من يعقد عليهم الكثير الأمل في النهوض بالبلاد من كبوتها , فإذا كان هذا حالهم مع من يخالفهم الرأي و هو يحمل نفس الفكر – وقد تعمدت إظهار هذا – فكيف يكون حالهم مع غيرهم من أصحاب الأفكار و الدعوات الأخرى ؟!! بل كيف يكون حالهم مع أصحاب الأفكار المناهضة للفكرة الإسلامية أساسا ؟!!. رحم الله الشافعي حين قال : إن رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب .
فهم كثيرون – و معهم بعض العذر – أنني أدعو الإخوان لمقاطعة الحياة السياسية و أن يتحولوا لجماعة من الدراويش يجلسون في المساجد يقرؤون القرآن و يكتفون بهذا و أن يدعوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله !!! , و الحقيقة أنني لا قلت هذا و لا هو ما قصدت إليه , و كل ما طلبته من الإخوان أن يتبعوا سنة الله في التغيير و لا يصادموها و لا يتعدوها أو يقفزوا عليها , و سنة الله في التغيير أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم , و كنت أتمنى على الإخوان مناقشة هذا , فهذا هو لب المسألة و جوهر الإشكال , و ألا يصبوا عليِّ جامِّ غضبهم لمجرد اجتهاد قد أكون فيه محقا أو لمجرد أنني خالفت الموجة السائدة و سبحت بعض الوقت ضد التيار , و إلا فأنا على يقين بأن انسحاب الإخوان من الحياة السياسية إنما هو بمثابة انتحار نحن منهيون عنه شرعا فضلا عن أنه قعود عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و مدافعة الباطل و حزبه , و معاذ الله أن أطلب إلى الإخوان ذلك , ولكن في نفس الوقت أتساءل : من الذي قصر المشاركة السياسية على المنافسات الانتخابية ؟ إن المشاركة السياسية تبدأ ببيان أو وقفة احتجاجية و تنتهي – فيما أتصور – بالعصيان المدني العام . و تبقى المنافسات الانتخابية وسيلة تخضع – في استخدامها – لمقاييس الربح و الخسارة أو النفع و الضرر و مدى استعداد الناس لها , و هي كذلك خاضعة للظروف و الأجواء المحيطة بها فقد تكون في وقت لازمة وقد تكون في وقت آخر مضيعة للوقت والجهد و المال , و قد تكون في مكان نافعة وذات جدوى و قد تكون في مكان آخر مغامرة غير مأمونة العواقب , و هي و إن كانت أفضل ما اخترعه البشر من وسائل لتداول السلطة حتى الآن – كما أشار أحد الإخوان الكرام – إلا أنها ليست هدفا في حد ذاتها , و هنا يبقى السؤال مطروحا : هل أعددنا أنفسنا و هل أعددنا الناس لهذه المنافسة ؟ الإجابة نجدها في هذه الواقعة : حكى لنا أحد الإخوان – يعمل طبيبا - أنه في انتخابات الشورى السابقة كان وكيلا لمرشح الإخوان في قريته و لم يجد الضابط المسئول من وسيلة لإخراجه من اللجنة إلا اختلافا في الاسم بين التوكيل و بطاقة الرقم القومي , و بعد اخذ و رد و شد و جذب طلب الضابط منه أن يحضر ثلاثة من أهل القرية ليشهدوا أن فلانا هذا هو هو ففعل و أحضرهم , و كان من بين الثلاثة ابن عمه !! و مدير المدرسة التي تخرج فيها !! , و وقف الثلاثة أمام الضابط فسألهم : هل هذا هو فلان ؟؟؟ فلم ينبس أحدهم ببنت شفة . لا أتصور أن أحدا يجادلني في أن السعي إلى التغيير عبر صندوق الانتخاب في بيئة كهذه – بكل ما فيها و ما حولها - أو في مناخ كهذا إنما هو – كما قلت آنفا – سعي وراء سراب أو جري خلف أوهام . إن من أوجب الواجبات – والحال هكذا – أن نعمل على تغيير هذه البيئة واستبدال مناخ صالح بهذا المناخ الفاسد الذي أفسد كل شيء حتى ضمائر الناس . ولذلك قلت نصا إن مبتدأ التغيير هو نحن .. هو تغيير هذه البيئة و إصلاح هذه النفوس , حينئذ ستجد الحرية أعوانا لها مدافعين عنها على استعداد للموت في سبيلها بدلا من الحياة أذلاء .. ذلك أن نفوسهم قد تخلصت ابتداء من القابلية للهوان . حينئذ ستكون الحكومة فرزا طبيعيا لبيئة صالحة و مناخ صحيح .
تخوف كثيرون من أن النظام لن يتركنا نصلح أنفسنا أو نصلح المجتمع , حسنا ... فلتكن هذه إذن معركتنا و ليكن في هذا الميدان نزالنا , و ليكن في هذا جهادنا و تضحياتنا , و هؤلاء – مع كامل احترامي لهم – قد فاتهم كنه الدعوة و طبيعتها و مقاييس النجاح والفشل فيها . في قصة أصحاب الأخدود شاءت إرادة الله عز وجل – لحكمة يعلمها – أن تنتصر دعوة الغلام و يعم بهاؤها و يسطع نورها ساعة مقتله ( فآمن الناس برب الغلام ) , و هذه رسالة لكل صاحب دعوة : أن موازين الأرض غير موازين السماء , و أن مقاييس الدعوة تختلف عن مقاييس المذاهب الأرضية . ولن نذهب بعيدا .. فلنا في التاريخ الحديث خير شاهد , فما أمر ما فعله عبد الناصر مع الإخوان عنا ببعيد , فقد فعل الرجل معهم ما يجعل مجرد ذكرهم ضربا من الخيال , و ها نحن بعد رحيل عبد الناصر و انتقال العديد من الإخوان إلى جوار ربهم نرى الدعوة و قد طبقت الآفاق , و عم بهاؤها أرجاء المعمورة .
من شواهد طلب الحق و الركون إليه أن تكون لمن يريد ذلك و يسعى إليه وقفات مع النفس للمراجعة و استشراف المستقبل , و أنا – بدوري – أطلب من الإخوان تلك الوقفة : هل ما زال الناس ينظرون إلينا على أننا أصحاب دعوة إسلامية أم أن الصورة قد أصابها بعض الدخن ؟ ألا ينظر إلينا كثير من الناس على أننا مجرد حزب سياسي ينافس الحزب الوطني على السلطة ؟ هل لا تزال صورة الواحد من الإخوان كما كانت ( الرجل الطيب بتاع ربنا – ليس الدرويش بالطبع - )؟ أم أن كثيرا من الناس صاروا يرونه ( الرجل بتاع الانتخابات )؟ . و الذين تهكموا على دعوتي إلى العودة إلى المساجد أحيلهم لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظروا كيف كان المسجد مركز إشعاع حضاري وفكري و كيف كانت تنظم شؤون الأمة كلها فيه ؟ و سيقول قائل : لن يسمح لنا النظام , حسنا .. فليكن هذا ميدانا للجهاد كي نعيد للمسجد ريادته و محوريته في حركتنا مع الناس و لا نستجيب لمحاولات إقصائنا عن بيوت الله عز وجل , لذلك فليعمل العاملون و في ذلك فليتنافس المتنافسون , و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
--------------------------------------------------------

المقال على صفحات جريدة المصريون

الإخوان والتغيير المنشود

الإخوان والتغيير المنشود



في خضم تلاطم الأمواج تبرز أهمية البوصلة في المحافظة على السير في الاتجاه الصحيح , عاصمة من الزلل , حافظة من التيه , و إذا كان هذا لازما و حتميا مع أمواج البحر .. فإنها مع أمواج الأفكار و الرؤى أشد ضرورة و حتمية . و إن أخشى ما يخشاه المرء على أصحاب المبادئ و الدعوات أن يفقدوا البوصلة , فيبتعدون عن جادة الطريق , ويصرفون جهودهم فيما لا طائل من ورائه ..ثم يجدون أنفسهم في النهاية يحاربون في غير ميدان المعركة الحقيقي .
و لما كانت الدعوة إلى التغيير في مصر هذه الأيام تتصدر قائمة اهتمامات الناس عامة و النخب منهم على وجه الخصوص , و لما كان الإخوان يقفون في صدارة القائمين على هذه الدعوة وهذا قدرهم - بفتح الدال- و هو كذلك قدرهم – بتسكينها- .. لما كان ذلك كذلك كانت هذه الكلمات .
إن ميدان المعركة الحقيقي الذي ينبغي أن تنصرف إليه الجهود و توجه له الطاقات هو النفس البشرية , فالإنسان هو المحور و الأساس في عملية التغيير المنشودة , و بدون إصلاح النفس البشرية .. و بدون إصلاح الفرد أولا يصبح الحديث عن التغيير محاولة بائسة لزراعة صحراء قاحلة جرداء لا خير فيها و لا نماء . هنا يسطع بنوره ذلكم القانون الإلهي الخالد ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) تلك هي سنة الله في الخلق , و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا . و في هذا يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ناصحا ( أيها الناس ميدانكم الأول أنفسكم , فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر , و إن أخفقتم في جهادها فأنتم عما سواها أعجز , فجربوا الجهاد معها أولا ) .
منذ فترة جمعني لقاء بثلة من الطيبين الأطهار , و صار حديث عن أولويات الحركة الإسلامية و ما ينبغي أن يكون في صدر اهتماماتها , فكان رأيي المتواضع : أن نعيد للإنسان إنسانيته المفقودة .. و أن نرجعه إلى نفسه السوية , فإن كثيرا مما نواجهه في حياتنا اليومية من فوضي وبلطجة و سيادة قانون الغاب بل و إدمان مخالفة كل ما هو إنساني .. كل هذا لا يمكن صدوره عن أناس أسوياء , و إلا فكيف نفسر – مثلا - سلوك من يسير بسيارته ليلا في الطريق المعاكس على الخط السريع ؟! لقد فقد هذا الكائن إحساسه بالآدمية , لأن الله سبحانه وتعالى قد جبل بني آدم على حب الحياة , وهذا بتصرفه يعرض – أول ما يعرض – نفسه لخطر الموت . إن جانبا كبيرا من محنة الناس يكمن قي فساد الأذواق و انحراف الطباع , و لا يقبل القبح إلا صاحب نفس معكوسة منكوسة , وسوي النفس إلى الإيمان أقرب . و لقد توقفت كثيرا أمام كلمات طيبات لإمامنا الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى حيث يقول رضي الله عنه في رسالته دعوتنا في طور جديد .. ( إن الإسلام يريد في الفرد : وجدانا شاعرا يتذوق الجمال والقبح , و إدراكا صحيحا يتصور الخطأ و الصواب , و إرادة حازمة لا تضعف ولا تلين أمام الحق ) . لله درك يا إمام .. نعم .. فصاحب النفس السوية التي فطر الله الناس عليها يتذوق الجمال فيأنس إليه و يحبه , و يتذوق القبح فينفر منه و يهجره .
و لقد أوتي فيلسوف الإسلام العظيم مالك بن نبي الحكمة من أطرافها و هو يؤسس لنظرية التغيير الاجتماعي على هدي من الإشعاع النوراني الأول ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فيقول رحمه الله ( لكي لا نكون مستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار ) هكذا .. و ببساطة معجزة يقرر فيلسوفنا العظيم و فق معادلة رياضية بسيطة : أن مبتدأ التغيير هو نحن .. و أن المشكلة الحقيقية تكمن في قابليتنا للاستعمار . و هكذا .. إذا أردنا أن نعيش أحرارا فيجب علينا أولا أن نتخلص من قابليتنا للاستعباد و إذا أردنا أن نعيش كراما فينبغي أن نتخلص – أولا – من قابلية نفوسنا للهوان . و على نفس النهج يقرر شهيد القرآن سيد قطب رحمه الله أن فرعون مصر قد استخف قومه لأنهم كانوا فاسقين .. و أنهم لو لم يكونوا فاسقين لما استخفهم و لما أطاعوه فأوردهم المهالك . و يقول رحمه الله في موطن آخر ( إن الضعفاء إذن في النار مع الذين استكبروا . لم يشفع لهم أنهم كانوا ذيولاً وإمعات ! ولم يخفف عنهم أنهم كانوا غنماً تساق ! لا رأي لهم ولا إرادة ولا اختيار ! لقد منحهم الله الكرامة . كرامة الإنسانية . وكرامة التبعة الفردية . وكرامة الاختيار والحرية . ولكنهم هم تنازلوا عن هذا جميعاً . تنازلوا وانساقوا وراء الكبراء والطغاة والملأ والحاشية . لم يقولوا لهم:لا . بل لم يفكروا أن يقولوها ) .
لقد أثبتت التجارب مرة تلو أخرى أن صندوق الانتخاب ليس معبرنا إلى التغيير المنشود , و لقد بات ذلك راسخا في وجدان الجميع ’ و أنا أربأ بالإخوان أن يجرهم النظام أو – غيره - إلى معركة وهمية تبعثر فيها الجهود و تستنفذ فيها الطاقات انشغالا بالجزئيات عن الكليات و بالفروع عن الأصول و بالقضايا الهامشية عن قضايا الأمة الكبرى , وليس خافيا على أحد أن أعداء الأمة و مقاومي نهضتها ما انفكوا يخططون لذلك ليل نهار , وقديما قالوا : لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين . و لعله من المناسب هنا استحضار ما قاله مالك بن نبي في رائعته ( شروط النهضة ) .. يقول رحمه الله ( فلا يجوز لنا أن نغفل الحقائق , فالحكومة مهما كانت ما هي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه , فإذا كان الوسط نظيفا حرا فما تستطيع الحكومة أن تواجهه بما ليس فيه , و إذا الوسط كان متسما بالقابلية للاستعمار فلابد من أن تكون حكومته استعمارية ) . فإذا كان الأمر كذلك فإن السعي للتغيير المنشود و المأمول عبر صندوق الانتخاب قد صار جريا وراء سراب و بحثا عن أوهام .
أيها الإخوان الكرام .. تعالوا نعيد تقديم أنفسنا للناس من جديد .. أصحاب دعوة إسلامية سنية سلفية تستقي الإسلام من ينابيعه الصافية حيث محمد صلى الله عليه وسلم و صحبه الأخيار الأطهار , تعالوا نعيد للحياة جمالها و زينتها بأخلاقياتنا الربانية التي تسمو على الوحل و ترفرف في السماء , تعالوا نعيد للمسجد ريادته و محوريته في حركتنا مع الناس , تعالوا نسجل أسماءنا في سجلات الشرف والكرامة حيث نلتمس البركة في حلق الذكر والعلم , تعالوا نسمع الناس : قال مالك و قال الشافعي و رجحه بن حنبل و اختاره بن تيمية , و ضعفه بن حجر و ذكره الشوكاني في الموضوعات , تعالوا نعمر بيوت الله و نذكر فيها اسمه و نسبح له فيها بالغدو و الآصال , تعالوا نصلح ما أفسده المفسدون في العلاقة بين الناس و كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم , تعالوا نكون أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين و لا نخاف في الله لومة لائم , تعالوا نعيد اللحمة لصف العاملين للإسلام و إن خالفنا أو حتى ظلمنا بعض أبنائه فالجميع في النهاية يعملون لصالح الإسلام و المسلمين كل فيما يجيده و يحسنه .
لهذا فليعمل العاملون , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون , و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
---------------------------------------------------------
المقال على صفحات جريدة المصريون