ذكريات وطنية !!! ... 1

!!!... و كان الليمان أمنية

في إحدى ليالي خريف العام 1981 م وفيما سُمِّي وقتها بـ ( أيلول الأسود .. النسخة المصرية) دق جرس الباب ففتحت لأجد ضابط المباحث بالباب واقفا يطلب مني – بأدب جم - الإستعداد للذهاب معه خمس دقائق ..!! والعودة للبيت بعد ذلك , وقد شاءت إرادة الله أن يبارك في هذه الخمس دقائق حتى أنها إقتربت من عام كامل , والحمد لله على هذه البركة .. !!! , ومن ألطف ما سمعت حول هذه (الخمس دقائق) ما سمعته من أستاذنا الشيخ / محمد حسين حفظه الله , فقد طلب منه الضابط - في نفس الإعتقالات - أن يذهب معه لمدة ربع ساعة , و فوجيء الضابط بالشيخ يطلب من أهل بيته تجهيز ملابس صيفية وشتوية بكميات كبيرة , فسال الشيخ متعجبا : لما كل هذه الملابس و أنا قلت لك ربع ساعة فقط , فرد عليه الشيخ بخفة ظله المعهودة قائلا : في عام 1965 قلتم لنا خمس دقائق وجلسنا عشر سنين !!! , والآن تقول لي ربع ساعة , فالله وحده يعلم إن كنا سنعود للبيت مرة أخرى أم لا!!!.
توجهنا بعدها لمقر مباحث أمن الدولة بشبين الكوم لأقابل هناك الأخ معاوية هيكل من كلية الزراعة والأخ أحمد عامر من كلية العلوم , ثم توجهنا جميعا إلى حجز قسم شرطة شبين تمهيدا لترحيلنا , وهنا بدأ ( الجد) .. فقد بات ثلاثتنا في الحجز ليلتين من أحلك الليالي , حيث كان معنا جماعة من أرباب السوابق والمجرمين الذين يمارسون حياتهم بشكل يجعلك تسأل نفسك ألف مرة : هل خرج هؤلاء من ظهر آدم مثل باقي البشر ؟!!. إذ يكفي أن تكون جالسا في أمان الله ثم تفاجأ بأحدهم يرفع ملابسه ثم يقضي حاجته بلامبالاة عجيبة بجانبك .. هكذا والله ( ولا إحم ولا دستور ) كما يقول أهلنا في الريف , ومرت علينا الليلتان ونحن نلهث بالدعاء : يارب أخرجنا من هذا المكان حتى ولو إلي الليمان !!!.
في صباح اليوم الثالث إستجاب الله لدعائنا ونادى الشاويش : الجماعة السياسيين .. فانفرجت أساريرنا و رددنا بفرح و فخر : نعم , فقال : ترحيل , ركبنا سيارة الترحيلات وتوجهنا إلى حيث لا نعلم , وجلسنا نضرب أخماسا في أسداس حتى وجدنا أنفسنا أمام بوابة ضخمة تعلوها لوحة كبيرة كُتِب عليها بخط جميل ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) صدق الله العظيم .. هكذا والله ...!!!! , وكانت هذه إشارة لنا أننا بدأنا الرحلة أو البعثة كما كان يحلو لكثير منا تسميتها . بعد ساعات عرفنا أننا داخل سجن المرج , وتفرقنا كل في زنزانته الإنفرادية ليلة أو ليلتين لا أذكر , حتى سمعنا ذات صباح قرآن الجمعة و أخرجونا وقتها من الزنازين , و أذكر وقتها أنني سألت أحد الضباط بسذاجة : هل سنذهب لصلاة الجمعة ؟!!!. فرد : إن شاء الله حتصلوا الجمعة !!! وكان إخراجنا من الزنازين تمهيدا لترحيلنا إلى سجن آخر.
أَرْكَبونا بعدها سيارة الترحيلات معصوبي الأعين و كما الحيوانات .. لا موضع لقدم , و انطلقت بنا السيارة في ( زفة ) من الحراسة إلى حيث لا ندري , وهنا بدأت بورصة التكهنات .. فمن قائل يقول : إننا متوجهون إلى ليمان طرة , فيرد عليه آخر : ليمان طرة إيه ؟ دا السادات هده !!! إلى قائل : نحن متوجهون إلى الواحات , فيرد ثالث : لا .. بل إلى وادي النطرون , وهكذا زادت التكهنات والتوقعات وتعددت , ولم يكن يجمع هذه الأماكن في ذهني إلا أمر واحد : أن داخلها مفقود والخارج منها مولود , و ذلك طبقا لما أعرفه من قراءاتي السابقة عما لقيه السابقون في السجون والمعتقلات.
ظل بنا الحال هكذا حتى وقفت السيارة وفُتح بابها وبدأنا في النزول منها , وهنا بدأت الصرخات والآهات , فما أن ينزل الواحد منا حتى تتلقفه الأيدي والأرجل في همجية ووحشية لا نظير لها فيما كانوا يسمونه (حفلة الإستقبال ) , ساعتها أيقنت أنها النهاية .. فالكل يصرخ والكل ينتحب والكل معصوب العينين لا يدري من أين يأتيه الأذى , لم يكن يشغل تفكيري وقتها إلا شيء واحد : أن أموت على الإسلام , فالتفكير ساعتها لم يكن في الموت .. فالموت محقق لا محالة , إنما الخوف كل الخوف أن أموت على غير الإسلام , كانت أشد اللحظات رعبا وفزعا حين طرحني أحدهم أرضا فلامست يداي بللا أحسست ساعتها – وأنا معصوب العينين - أنها دماء من سبقني , ظللت في هذه الحالة من الرعب والفزع حتى نزل السوط الأول على ظهري , وبعدها لم أدرِ كم عدد السياط واللكمات التي نزلت عليَّ بعد ذلك .. فلم أعد أحس بشيء من ذلك , وكان هذا من لطف الله ورحمته بنا وعلمه – سبحانه وتعالى – بعجزنا البشري , فقد كان السوط المستخدم ساعتئذ عبارة عن كابل كهرباء سميك وقد رأيته حين وقعت العصابة من فوق عيني ولكني من شدة الفزع أعدت العصابة مرة أخرى حتى لا أرى ما يجري لي ولإخواني .
ظل الحال هكذا ما يقرب من الخمس ساعات متصلة , ثم بعدها جاءت (حفلة ) الحلاقة وفيها يجلس الواحد منا القرفصاء أمام الحلاق لحلاقة شعر رأسه (عالزيرو) ومع كل خصلة شعر تنزل تكون اللكمة أو الصفعة , وقد عافاني الله من هذه الوليمة لأنني كنت (عالزيرو) بشكل طبيعي !!!. مع الحلاقة كان يتم تسجيل أسماء (النزلاء) ووظيفة كل منهم , أذكر أن الذي كان عليه الدور بعدي لما سئل عن وظيفته قال : معيد بكلية أصول الدين يا فندم فوكزه الشاويش غاضبا وقال : وكمان معيد يابن الـ...., بعد ذلك بدأوا في توزيعنا على الزنازين وسط مزيد من السياط واللكمات والصفعات وكان من أعجب ما قابلته : أن من كانوا يصحبوننا إلى الزنازين كانوا يلحون علينا بشكل عجيب قائلين : إبعد عن اللهم يتم أطفالهم ورمل نساءهم وأدعي زي ما أنت عايز !!!. وقد عرفنا فيما بعد سر ذلك الإلحاح العجيب من الحراس و خوفهم الذي كان يصل إلى حد الهلع من الدعاء عليهم , كان هذا السر في ليلة قضاها المعتقلون قائمين خاشعين مبتهلين بالدعاء على الطغاة والظالمين خلف الشيخين الجليلين : عبد الحميد كشك و عبد الرشيد صقر رحمهما الله تعالى رحمة واسعة , حتى إني سمعت من بعض الملازمين للشيخ كشك أنه ظل – رحمه الله – ساجدا في هذه الليلة حتى طلوع الفجر , وفي صباح اليوم التالي سمع الجميع بخبر إغتيال الرئيس السادات , فكان للخبر وقع الصاعقة على الحراس و مسؤولي السجن بعد ما سمعوا من دعاء المظلومين ليلا وفي وقت السحر , إذ أنه ليس من رأى كمن سمع كما يقولون , وقد رأوا بأعينهم وشاهدوا بأنفسهم آية من آيات الله مع عباده الصالحين
ونكمل الذكريات في لقاء قادم بإذن الله
وطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــني.

هناك ٤ تعليقات:

جهاد خالد يقول...

(اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)

وقد قرات قصة لامراة اخذ وزير قديما كل اموالها ونهبها
وكان هذا الوزير شديد البطش والفساد
فجاءته تشتكي فردها
فقالت .. لادعون الله عليك
فستهزأ بها وقال .. عليك بالثلث الاخير

مرت الايام واُخذ الوزير وعوقب علنا
وردت الى الناس مظالمها
وبينما هو يعاقب
مرت به العجوز وقالت ... نصحتني بالثلث الاخير فوجدته احسن ما يكون



فاللهم عليك باعدائك

تحايا

خالد حفظي يقول...

إلى النجمة الصامدة
اللهم آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين

صاحب البوابــة يقول...

ادعو الله ان يجعل كل هذا في ميزان حسناتك

تحياتي اخي العزيز

خالد حفظي يقول...

إلى أخي صاحب البوابة
اللهم آآآآآآآآآآآآآآآآآآمين