الإخوان لم يسقطوا .. فلمَ السكاكين يا قوم؟!!

.

الإخوان لم يسقطوا .. فلمَ السكاكين يا قوم؟!!

إذا وقع الثور كثرت السكاكين .. مثل شعبي يعبر أصدق تعبير عن حالة من الانتهازية وتصيد الأخطاء وترقبها , و هي حالة قد تكون مفهومة – غير مبررة – حال سقوط الثور , أما إذا شهرت السكاكين في وجه من لم يسقط أساسا فتلك مسألة تستحق منا وقفة .

طوال الفترة الماضية ومنذ إعلان الإخوان عن القراءة الأولى لبرنامج حزبهم المقترح , لا يجد المتتبع للمشهد السياسي المصري عناء في إدراك حالة من التربص و تصيد الهفوات من نفر غير قليل من النخبة السياسية في مصر من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تجاه الإخوان , و هو موقف غاية في الغرابة والإستهجان لعدة أسباب لعل من أهمها :-


أولا: أنه في ظل حالة الضبابية الشديدة التي تحكم مواقف قطاع كبير من هؤلاء , حتى بدا المشهد و كأن القوم لم يعد لهم يمين من شمال (على رأي بعض المتصوفة) .. في ظل هذه الحالة يأتي القوم ليعاقبوا الإخوان على وضوحهم و شفافيتهم الكاملة في إعلانهم عما يؤمنون به دون خداع أو مواربة في قضايا مفصلية هامة وجوهرية و هم الذين يحجمون عن الخوض في أمور أقل أهمية بكثير مما أقبل الإخوان على الولوج فيه و الخوض في غماره , وبصرف النظر عن إتفاقنا أو إختلافنا مع ما طرحه الإخوان من آراء إلا أن الإنصاف يقتضي تحية الإخوان لا معاقبتهم على الوضوح والشفافية.


ثانيا : أن القوم ما انفكوا يلومون الإخوان و يهاجمونهم على عدم وجود برنامج سياسي محدد الملامح يوضح رؤية الإخوان للحكم حال وصولهم إليه , و كثيرا ما قرأنا وسمعنا عن مطالبة الإخوان بالبعد عن الشعارات و الهتافات العامة و الأفكار الفضفاضة , فما أن أعلن الإخوان برنامجهم حتى رأينا ما رأينا , وكأن لسان حال القوم يقول : أيها الإخوان .. أنتم على الدوام مدانون أو مدانون !!!.


ثالثا : أن هؤلاء مارسوا نوعا من الوصاية المرفوضة على الشعب المصري , وقد تمثل هذا في مصادرة حق الشعب في أن يكون هو الحكم في النهاية على ما يقدمه الإخوان من رؤى و أفكار , فهو – وحده -صاحب الحق الأصيل في اختيار من يحكمه وكيف يحكمه , و ليس لأي فصيل – بما في ذلك الإخوان – أن يمارس هذه الوصاية على الشعب , و على الجميع أن يدرك أن هذا من أول بدهيات و إستحقاقات الديموقراطية التي يتغنى بها بها الجميع .


رايعا : أن المطروح للنقاش هو قراءة أولى لأفكار الإخوان و رؤاهم , و قد أعلن الإخوان ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة , و في نفس الوقت أعلنوا استعدادهم لمراجعة ما تم طرحه في ضوء ثوابت الجماعة و أهدافها الإستراتيجية , و لا يتصور أحد أنه مطلوب من الجماعة أن تطمس هويتها و تفرط في ثوابتها التي أكسبتها شرعية جماهيرية تفتقدها غالبية التيارات السياسية العاملة على الساحة حتى تنال الرضا و ينعم القوم عليها بالقبول.


خامسا : أن الإخوان طرحوا فكرا و رؤية ولم يجيشوا الجيوش أو يدعوا أتباعهم لحمل السلاح لفرض برنامجهم بالقوة , و طبقا لأبسط مباديء الديموقراطية فقد مارس الإخوان بهذا حقا أصيلا من حقوقهم ليس لأحد أن يمنعهم من ممارسته , وقد رأينا جميعا كيف يسمح لأشد البرامج تطرفا بالمشاركة في العملية السياسية في أوروبا و أمريكا دونما إقصاء لأحد , و رأينا كذلك كيف يرضى الجميع باختيار الشعب , ولعل ما حدث من فوز اليمين المتطرف في سويسرا مؤخرا تأييدا لما أقول.

لا ادري لماذا تملكني شعور قوي بأن كثيرا ممن وجهوا سهامهم للإخوان قد قرءوا البرنامج قراءة مبتسرة أو لم يقرءوه أصلا – و انا هنا لا أعفي الإخوان من المسؤولية عن هذا - و إلا فما ورد في برنامج الإخوان و أثير حوله جدل شديد .. لو قرئ بعين منصفة مجردة عن الهوى لما وصل الأمر لحد اتهام البعض للإخوان بأنهم يستنسخون ولاية الفقيه لدى الحديث عن لجنة العلماء , ولما اتهم البعض الإخوان بإهدار حقوق المواطنة و ( مرمغتها في الطين ) لدى الحديث عن ولاية الأقباط والمرأة , و لو قرأ القوم رؤية الإخوان بعين منصفة لوجدوا فيها خيرا كثيرا , و ليسمح لي القاريء الكريم بقراءة هذه الفقرة من الفصل الثاني الذي يتحدث عن النظام السياسي كمثال على ما أقوله , وفيها بالنص ما يلي :-

جـ - نظام الإدارة المحلية:

لتطوير الإدارة المحلية يتبني البرنامج نظام الحكم المحلي وليس مجرد الإدارة المحلية ، بما يستتبعه من اللامركزية وتعميق الممارسة الديمقراطية الأمر الذي يستلزم الآتي :

1- اختيار المحافظ بالانتخاب الحر المباشر.

2 - منح أعضاء المجالس الشعبية المحلية المنتخبة بمختلف مستوياتها وسائل الرقابة المختلفة كالسؤال وطلب الإحاطة والاستجواب وطلب المناقشة العامة وسحب الثقة وغيرها.

3 - منح المجالس الشعبية المحلية المنتخبة حق اقتراح المراسيم المحلية وضبط الميزانيات المحلية في إطار القانون و الخطة العامة للدولة.

4- تبعية أجهزة الأمن علي مستوي المحافظة للمحافظ المنتخب وليس للإدارة المركزية.

لماذا لم يتطرق أحد لمثل هذا الطرح ؟!! ولماذا لم يتم تناوله بالبحث و النقاش ؟!! أليس هناك إجماع وطني على أن المحليات بنظامها الحالي صارت مرتعا للفساد و المحسوبية ؟!! فإذا كان الأمر كذلك – دون دخول في تفاصيل ليس هذا مقامها – فكيف يكون الحال لو أخذنا بما قال به الإخوان ؟ ألسنا بصدد إحداث طفرة هائلة على جميع المستويات ؟!!.

نفس الكلام يمكن قوله فيما يخص قضيتي المرأة و الأقباط , ففي الفقرة المشار إليها آنفا نقرأ في بندها الأول ( اختيار المحافظ بالانتخاب الحر المباشر ) !!! ولا أجدني في حاجة لتوضيح أن هذا الأمر يشمل المرأة والقبطي بطبيعة الحال , و المسألة هنا واضحة لا لبس فيها ولا غموض , وبعيدا عن المزايدات وما يمكن أن نسميه ( فانتازيا سياسية ) تعالوا جميعا نتسائل : أين الأقباط في واقع الآخرين ؟ إن وجود الأقباط عند الآخرين – بما فيهم الحزب الوطني – يخضع لحسابات و مواءمات يعلمها الجميع , ولا يخضع لمواقف مبدئية ثابتة كما أعلنها الإخوان , ولا يفوتني هنا أن أكرر ما قلته قبل ذلك : إنني كواحد من أبناء الحركة الإسلامية أفضل محافظا قبطيا أمينا على مصالح البلاد والعباد .. أفضله ألف مرة على محافظ مسلم لا يضطلع بمسؤولياته , وبعيدا عن الفانتازيا السياسية مرة أخرى دعونا نتساءل : أين المرأة في واقع الآخرين كذلك ؟ كم رئيسة للجمهورية قرأنا عنها ؟ وكم رئيسة وزراء رأيناها ؟ بل كم وزارة تولتها امرأة فيما عدا وزارة عائشة راتب وآمال عثمان ؟!! أقصد وزارة الشؤون الإجتماعية ؟ , و أتساءل أيضا : كم حزب ليبرالي أو تقدمي أو أيا ما كانت وجهته إلى اليمين أو إالى اليسار ولى رئاسته امرأة ؟!!! .


نأتي بعد ذلك لما توهم البعض أنها القاصمة وهي الفقرة الخاصة بهيئة العلماء و نقرأ فيها ما نصه ( و رأي هذه الهيئة يمثل الرأي الراجح المتفق مع المصلحة العامة في الظروف المحيطة بالموضوع ، ويكون للسلطة التشريعية في غير الأحكام الشرعية القطعية المستندة إلى نصوص قطعية الثبوت والدلالة القرار النهائي بالتصويت بالأغلبية المطلقة علي رأي الهيئة ) . و لو كلف القوم أنفسهم بقراءة رسألة مبسطة في أصول الفقه لعلموا أن الأحكام الشرعية المستندة إلى نصوص قطعية الثبوت و الدلالة قليلة جدا و هي ما يسميه الفقهاء معلوما من الدين بالضرورة أو بتعريف آخر هي ما يصير به المسلم مسلما , وهي دائرة ضيقة تكاد تنحصر في أحكام العقائد وبعض أحكام المعاملات التي لا يجوز لمسلم الخروج عليها أو عدم اتباعها , و رأي الإخوان واضح وضوح الشمس في رابعة النهار أن التصويت بالأغلبية المطلقة ينسخ رأي الهيئة فيما عدا ذلك من الأمور , وما عدا ذلك فهناك فضاء واسع رحب .. للعقل أن يعمل فيه كيف شاء , أما إذا كانوا يريدون من الإخوان مخالفة عقيدة الأمة و الخروج على ثوابتها حتى ينالوا الرضا و ينعم القوم عليهم بالقبول فهذا شأن آخر وله – كذلك - حديث آخر.

...............................................................................

المقال على إخوان أون لاين

هناك ٨ تعليقات:

عصفور المدينة يقول...

هناك اثنا عشر شخصا صوتوا بلا في الاستفتاء الذي على اليسار أنا واحد منهم
:)
لا لشيء غير أنني أكره ردود الأفعال وأحسست أن هذا البرنامج هو رد فعل وليس فعل


أما كون الإخوان لم يسقطوا فكما يقال العصا الذي لا يكسر الظهر يقويه

ومن يناقش الفكرة بغير منطقية فإنما يحسن إليها وينشرها من حيث يدري أو لا يدري

دكتور حر يقول...

جزاكم الله خيرا مهندسنا العزيز وطني
على المقال الجامع الشامل

والله يا باشمهندس المتصيدون أو المضادون للفكره لا يحتاجون الى مبررات للوقوف في وجه الاخوان وأمام كل ما يطرحون

وهناك الكثير من المهاجمين وظيقتهم الأساسية هي مهاجمة الاخوان حتى وإن حاورهم أحد وأقنعهم
وهناك من يخرج للإعلام ليهاجم حتى وإن أقيمت عليه الحجه في الاعلام أيضا يستمر لأن هذه وظيفته
************
من التعليقات الجميله لمحلل أمريكي على هيئة العلماء في البرنامج أنها لم تأت للوصايه على القوانين ولكنها جاءت لمعالجة فساد المؤسسة الدينية الرسمية الأزهر
************
من أجمل المقالات التي قرأتها عن الفكره الأولى لكم مقال ابراهيم عيسى الإخوان وبرنامجهم رائع فعلا
هذا رابطه لمن أراد الاطلاع
http://www.egyptwindow.net/modules.php?name=News&file=print&sid=6998
**********
جزاكم الله خيرا

غير معرف يقول...

عمي ابو جهاد يا جميل
اعمل ايه في نفسي اذا كنت مش عاوز اعلق
قوللي انت وانا هأعمل اللي تقول عليه
محبك

جهاد خالد يقول...

مع اني لست على احاطة جيدة بالموضوع وكالعادة انا فاشلة سياسيا ولكن من اكثر مقالاتك التي اعجبتني بعرضها المنطقي والموضوعي

دمت لي فخرا

....

مررت لحضرتك تاج ياريت تجاوبه

challenging_sam يقول...

عمنا وطني ... بقولك ايه كنت عايز رأيك الخاص في آخر موضوع على مدونتي لأني حائرا فعلا و لابد أنك أعلم مني للخوض في تلك القشية ... عذرا لم أقرأ المقال و لكني أعدك أني سأقرأه و أعلق عليه و انا واثق انه واحدا من مواضيعك المميزة

سلام يا عم

مشروع انسان يقول...

مقال جميل
قريته على اخوان اونلاين
وفعلا الموضوع ده شاغلنى جدا
شده النقد بوعى وبدون وعى
ومش نقد
لا اتهامات وانتظار للسقوط
سبحان الله
مشكلة الاخوان ان ضدهم فيه اهواء كتير
ناس بتحركها اهوائها وناس
بتحركها خوفها على منصبها
وناس بيحركوهم من غير ما يحسوا

دكتور حر يقول...

باشمهنيييييييييييييس

انت فين

طمنا عليك؟؟

ahmed mefrh يقول...

صحيح اخى و الله
فعلا الكثير من القوم حتى الاخوان انفسهم مسكوا الموضوعات الثلاثه و بعض المتخصصين مسكوا فى الموضوعات السته الا ان البرنامج كما اوضحت فيه ايجابيات كثيره جدا و افكار رااااائعه و الله اذا طبقت لتبدل العيش من حال الى حال
..
.
.
.
.
.
...
تحياتى اليك
ابو مفراح