مقال هام للدكتور سليمان بن حمد العودة ( الجزء الثاني )

.
نداء إلى الأمة

.
إخوة الإسلام .. يمكن أن نقول كلَّ شيء عن حصار (غزة) لكن ماذا يمكن أن نُقدم على صعيد الواقع لهؤلاء المحصورين ؟ هذا هو التحدي .. وهذا هو الذي يقلق العدوَّ الغاشم ؟

إننا نستطيع أن نعمل ونتحرك باتجاهات متعددة ، على الصعيد الرسمي ، والشعبي ، وعلى صعيد الإغاثة ، والإعلام ، وعلى أصعدة إصلاح الجبهاتِ وسدِّ الثغور ، وبناء المستقبل ، ومدّ الجسور نستطيع أن نصنع من المحن منحاً ، ومن الآلام آمالاً ، ومن الظلمات نوراً ، ومن الموت حياة ، ومن الخوف أمناً .
إن هذه المآسي توقظ الهمم ، وتستدعي رصيدَ الأخوة ، فكم من غارق في همومه الشخصية فجاءت هذه الكوارث لتوقظ فيه حمية الدين وتشعره بالولاء للمؤمنين .. وهذا مكسب وكم من مخدوع بأبجديات الغرب ومكوناته الثقافية وقيمه الحضارية من دعاوى (الحرية والديمقراطية ، ومحكمات العدل ، ومجلس الأمن .. وسواها) فجاءت هذه المآسي لتمحوها من الذاكرة ، وتثبت (إرهابَ ، وظلمَ ، وجور ، ولا إنسانية ..) هؤلاء القوم.. ولتقود قيمَ حضارتِهم (المزعومة) إلى (مزبلة) التاريخ وإلى غير رجعة ؟ وهذا مكسب آخر ..
وكم تهيئ هذه المصائبُ والمحنُ من فرصٍ لوحدة الصفِ المسلم ، واجتماعِ الكلمة ، وتجاوزِ الخلافات والاتهامات ، لا سيما والأشقاءُ يصبحون ويمسون على عدوٍ مشترك لا يُفرق بين راية (فتحية) - (حماسية) أو غيرها .. وإن فاضل بينها حيناً ولهدف تمزيق الصف فهو يتقصدها جميعاً ، ويهدف إلى إسقاطها كلها في النهاية .. لكنها المرحلية في التنفيذ وتقطيع الأجزاء ، وتحييد الأطراف ، حتى إذا انتهى من القلب عاد إلى الميمنة والميسرة والمقدمة والمؤخرة يواصل تدميره ويكمل مخططه ؟! وهذا الوعي مكسب ثالث .
إن الساسة بمقدورهم أن يتنادوا وأن يصنعوا شيئاً لهذا الحصار ، فهو يُهدد مستقبلهم ويُعكر عليهم أمنهم ، ويُضعف هيبتهم ، وإذا أعطوا بيدٍ شيئاً من المكاسبِ للآخرين فلا بد أن يأخذوا ثمنَه أو يزيد باليدِ الأخرى .. وإذا كان للغربُ مصالح عندهم ، فينبغي أن يُلوِّحوا بهذه المصالح حين يُهدد إخوانُهم وجيرانُهم بالموتِ البطيء؟
إن الأمة المسلمة بقادتها ، وبهيآتها ، ومنظماتها قادرةً على صُنع شيء بل أشياء إزاء هذا الحصارِ الظالم وأمثالهِ .. ولا حاجة لاستدعاء منظماتِ الغرب والطوافِ بها لحلِ المشكلةِ وفكِ الحصار .. ومن يأمن الذئب على غنمه ، ومن يتحاكم إلى قاض هو الخصمُ والحكم ؟
وإن الإعلامَ الناطق باسم الأمة والمعبَر عن قضاياها يستطيع أن يصنع الرأي العام ، ويحرك المشاعر ، ويضبط المسار – وإن شذ إعلام مأجور ، أو تناس إعلاميون لا تعنيهم قضايا الأمة ولا يستشعرون مستقبلَ مقدساتها .. فأولئك أرقام هامشية في إعلام الأمة .. وأولئك نسو الله ومن نسي الله نسيه الله .
إن إعلاماً يرقص ويغني والأمة تنزف جرحاً .. إعلام هابط ، وأن إعلاميين يُبجلون منظماتِ الغرب ويدعون إلى تأسيس القيم الغربية في بلاد المسلمين .. هم من الغفلة والتظليل ما يدعو للشفقة والأسى في آنٍ واحد . وإن تياراتٍ تنابذ الإسلام وأهله وتصفهم بالإرهاب والتطرف في كل مناسبة وفي معظم المناشط والفعاليات الراشدة .. فأولئك مرضى وعسى الله أن يشفيهم .
يا قادةَّ الفكرِ ورجالاتِ الدعوة وهذه المآسي تفتح لكم فرصاً للكتابة عن صمود الأبطال ، وعن أثرِ الإيمان في مقاومة العدوان – وأثرِ اليقين في تسلية النفوس وإحياءِ الأمل في مخاضات الألم .. وإلا فأي شيء غير هذا يملِكه المحاصرون الصامدون في فلسطين عموماً .. وغزة على وجه الخصوص ؟! .. والحصارُ بلغ شهره السابع ، والعدوُّ يزيد الجرعةَ كلما تقادم الزمن .. والمحاصَرون يتلقون الدباباتِ بصدورهم ، ويدفعون أبناءهم .. بل ومستقبلَهم ثمناً للثباتِ على المبدأ الحق ورفض العدوانِ والاستسلام ولسانُ حالهِم.. يقول : اللهم خذ من أبنائنا وبناتنا ، وشيخونا ونساءنا ، وصحَتنا .. وأمَننا حتى ترضى .. فإن بقينا عِشنا إعزاءَ بالإسلام ..وإن متنا فاقبلنا شهداءَ .. نَشهدك ونشهد أمتَنا على أنه لا ذنب لنا إلا العزةُ بالإسلام ، ورفض الاحتلال والطغيان ؟ أليس في هذه المعاني حياة حتى وإن كتب لأصحابها الموت ؟
إن أمةَ تحيا بموتِ آخرين منها .. أمة تأبى الذوبان .. وهي عصيَّةٌ على العدوّ مهما بلغ ، وهي الجديرة بالتمكين والاستخلاف وإن طال أو قصر الزمن ، ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون .
يا أصحاب الغِنى ويا رجالات المالِ أنفقوا ينفق الله عليكم ، وأعطوا من مالِ اللهِ الذي آتاكم وحين تَصدِقون وتتجاوزن الشحَّ والأثره فستجدون مخارجَ وطرقاً لغوثكم وإعانتكم وإِياكم في معركة الإسلام والكفرِ أن يُؤتى الإسلامَ من قبلكم ، وقدواتكُم أنْفَقَوا نصفَ أموالهم بل منهم من جاد بماله كله .. ومنهم من ظل ينفق وينفق حتى قيل لهم : ما ضرهم ما فعلوا بعد اليوم !! إن من المؤسف أن نظراءكم من أثرياء الكفرِ والضلال لا يكتفون بالدعم لمحاربة الإسلام وأهله بشكلِ مقطوع ، بل يوقفون الأوقاف ، ويتبرعون بالدعمِ الكامل للمؤسسات التنصيرية والمتصهينة في حياتهم وبعد مماتهم .. وأنتم ترجون من اللهِ ما لا يرجوهم ، وهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون وإلى جهنم يحشرون . أنتم تُصلحون وتُغيثون .. وفي سبيل الله تُنفقون .. نفقتكم مخلوفة ، وأجرَكم على الله ، وصدقاتكم ظِلٌ لكم يوم لا ظل إلا ظِلُّ الرحمن .. وهم يفسدون ولا يصلحون ويهلكون الحرثَ والنسل ، ويدمرون البلاد والعباد ، ويشعلون الحرائق ، ويكتمون أنفاسَ المرضى ويقطعون السبيل .. فأي الفريقين أحقُّ بالأمن وأيُّ الفريقين أولى بالمبادرة والدعم ؟ !
إلى الأمة كلها برجالها ونسائها وشيوخها وشبانها وقادتها وشعوبها ، وعلمائها وعوامهم نداءٌ يقول : تصوروا أنكم في موقع الحصار ، وإخوانكم من حولكم يتفرجون .. فلا تدرون أتغالبون الموت .. أم تغالبون تهميش وغفلة الآخرين ؟ مدُّو يدَّ العون ، أغيثوا ، انصروا ، فكروا وقدروا ، وبما يستطيعه كلُّ واحدٍ منكم لا تبخلوا ، وإياكم أن تكونوا في عداد الموتى وإن كنتم بعدُ أحياء .. فالميتُ ميتُ الأحياء ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون ؟ .
اللهم أنجِ المسلمين المستضعفين في فلسطين وفي العراق وفي كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم عليك بالظالمين وأنزل عليهم رجزك وغضبك يا رب العالمين .

هناك ٤ تعليقات:

غير معرف يقول...

ما الذي يغضبني ؟ جدار شق قلب فلسطين ... ام من نسبوا ارضنا لهم وفي الحقيقة كل ذرة من ترابها تنطق فلسطين فلسطين فلسطين

والله العين تدمع والقلب يتقطع والعجز يطوقني والظلم قطع اوصالي انا ها هنا في القدس وهم في غزة
على تراب واحد وسماء واحده وقلبي وقلبهم واحد
انا ها هنا اتقطع وهم هناك يتمزقون
ما بيدي غير الدعاء والبكاء لأجلكم يا اهلي الصامدون تحت الحصار

روري

محمد يقول...

لهم ولنا الله

جزاك الله خيرا على النقل

مشروع انسان يقول...

جزاك الله خيرا
الكلام ده عايزين نوصله لكل الناس ونعمل بيه ويكون طريقنا فى هذه الايام
حتى يأتى الله بنصر من عنده
نوصله لكل الناس بس بس
المدونين عشان مندورش فى حلقة
ويبقى فيه ناس مش عارفة بالقضية ولا حاسة بيها

مش عايزين حتى احساسهم دلوقتى بقدر ما عايزين تبرعاتهم او اى شئ نافع

عايزين وسيلة اقدر للتحرك ولصنع شئ
يا ريت نشوف كده ممكن نساعد بايه وندل بعض عليه

دكتور بيطرى يقول...

جزاك الله خيرا يا أخى على هذه المقالة الرائعة فإن أمتنا دائما تستيقظ من غفلتها متأخرا وفى الوقت التى تلملم فيه جراح أبنائها ولا تعى أبدا بالمثل القائل ( أكلت حينما أكل الثور الأبيض )فالغريب أن وطننا الأسلامى يطوق من كل جانب بأعدائنا وليس هذا فقط بل وصل إلى الداخل .........فماذا ننتظر ؟ ومن هى الضحية القادمة .....العجيب أن كل واحد يستبعد نفسه من أن يكون هو الوليمة المقبلة .....فنسأل الله العفو والعافية وأن لا نكون لقمة سائغة تتداعى عليها الأمم.